العزلة التي كان يعيش بها, جعلته يبتعد رويدا عن الاطر الاجتماعية, فاستكان الخوف داخله, وقبع في دوامة الرهاب الاجتماعي, الذي يعد محنة يصعب اجتيازها لكنها غير مستحيلة.

يرتبط مرض الرهاب الاجتماعي بالخوف, ويرتكز الخوف  في الشعور بمراقبة الناس, ويعد الخوف اكبر بكثير من الشعور العادي بالخجل او التوتر الذي يحدث عادة في التجمعات, بل ان الذين يعانون من الرهاب (الخوف)  الاجتماعي قد يضطرون لتكييف جميع حياتهم ليتجنبوا اية مناسبة اجتماعية تضعهم تحت المجهر, كما ان هذا المرض يمكن ان يتفاقم ويصل الى ما لا يحمد عقباه حينما يقترن   بمرض الوساوس القهري.

البعد المرضي

يولد مرض الرهاب الاجتماعي من الخجل, والخجل هو نوعان اذا يرتبط عند المرأة غالبا بالحياء فيدخل ضمن الشعور, اما الرهاب فهو مرحلة اللاشعور.

ويقترن بالخوف الزائد, فالخوف تجربة اعتيادية, لا يمكن لأحد تجنب المرور بها, فهو عبارة عن عاطفة تنتج عن استشعار المرء لخطر واضح او كامن يتربص به, ما يدفعه لتجنب هذا الخطر والحفاظ على حياته او ممتلكاته.

كما يرتبط بعنصر مهم, وهو القلق, فالقلق عاطفة تحمل مواصفات الخوف نفسها, ولكنها موجهة للمستقبل والتعامل مع الخطر المحتمل لا الواقع, وفي هذه الحالة فأن الشخص المصاب يتوقع خطرا مستقبليا يهدده فيعتريه شعور كاسح بانه لن يكون قادرا على السيطرة على نفسه, وحمايتها من هذا الخطر المتوقع فيستمد القلق جذوره من غريزة الحفاظ على الذات وحب البقاء, وهذه غريزة جوهرية ان فقدها كائن حي فانه مهدد بالفناء, ولكن الانسان بما حباه الله من قدرات على التفكير, والادراك, والوعي, والتخيل, والتعلم, قد يقع فريسة لتصورات وتوقعات مخيفة من نسج خياله لم تحدث فعلا على ارض الواقع, وهكذا فأن التوقع والتوجس سمتان اساسيتان لعاطفة القلق التي تقود الى الخوف, ولعل من اشد  اشكال القلق التصاقا بالإنسان ما يسمى بالرهاب الاجتماعي.

أسبابه وأشكاله

تشتق الاصابة بهذا المرض جانبين, اولها الوراثة والتي يصعب علاجها واغلبها يفشل, اما الجانب الثاني وهي الجانب البيئي وقلة الخبرة, فالبيئة المجتمعية وفق الاعراف والتقاليد تفرض نفسها وبقوة على بعض الاشخاص, الذين ينتابهم الخوف وهو يعد اكثر الاشكال شيوعا, مثل الخوف من الحديث أمام جمع من الناس, او المشاركة في عمل ما, سوى ان كان الشخص موظف او طالب.

كما يرتبط بأشكال الظهور الاجتماعي بمجرد الإحساس بأن الشخص محط الانظار, خصوصا ان كان يعاني من مرض محرج مثل حالات الصرع, او التشوه الجسماني, وما الى ذلك.

كل هذه الاشكال تؤدي الى التجنب او حتى العزلة الشديدة وعدم الثقة بالنفس.

مراحل الاصابة

يبدأ هذا الاضطراب مبكرا في سن الطفولة او بداية المراهقة حيث تبدأ معظم الحالات في الظهور عن سن الخامسة عشر تقريبا, وقد وجدت دراسات مختلفة ان هناك مرحلتين يكثر فيهما ظهور هذا الاضطراب, ما قبل المدرسة على شكل خوف من الغرباء, ومرة اخرى بين 12- 17 سنة, على شكل مخاوف من النقد والتقديم الاجتماعي, وتندر الاصابة به بعد الخامسة والعشرين من العمر, وبالرغم من الاصابة بالرهاب الاجتماعي تحدث في هذه المرحلة المبكرة الا انه يعد ايضا من الاضطرابات النفسية المزمنة, التي قد تستمر عشرات السنين ومع ذلك  فان المصابين بالرهاب الاجتماعي حتى مع علمهم بهذه الحالة قد يتأخرون في طلب العلاج, اما بسبب المواجهة او الاعتراف بوجوده.

 

اعراض المرض

يظهر المرض بأشكال مختلفة وبدرجات متفاوتة منها:

الكتمة وضيق الصدر

الخفقان أو تسارع ضربات القلب

الرعشة أو اهتزاز اليدين

التعرق

الاختناق

الغثيان واضطراب الامعاء

التنميل

الدوار أو عدم الاتزان

الشعور بما يشبه الحلم أو الانفصال عن الذات

نوبات من الحرارة أو القشعريرة في الجلد

الخوف من الموت, وتفكير  بعضهم بالانتحار

الخوف من الجنون أو فقدان السيطرة

العلاج لهذا الاضطراب

العلاج لهذه الحالات يكون على شكل ادوية مضادة للمخاوف, ولا تؤدي الى الادمان, وكذلك علاج الجلسات النفسية, التي تعتمد على الاسترخاء والمواجهة المتدرجة, وتأكيد الذات وبناء الثقة بالنفس ويدعي ذلك العلاج السلوكي المعرفي.

 استاذ علم النفس عبد عون المسعودي / مركز الإرشاد الأسري