تكشف هذه القصة كثيراً من الروايات الكاذبة التي تبجّح بها مؤرخو السلطة حول زواج بنات الأئمة المعصومين (عليهم السلام) من بعض الخلفاء والأمويين أو والزبيريين كزواج أم كلثوم بنت الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) من عمر، وزواج سكينة بنت الحسين من مصعب بن الزبير وغيره، وزواج فاطمة بنت الحسين من عبد الله بن عمرو بن عثمان، وغيرها من الأكاذيب التي ابتدعتها الماكنة الإعلامية الأموية والعباسية لأغراض سياسية. حيث تفنّد هذه القصة تلك الروايات وتصحّح معايير تلك الآراء المغلوطة التي غضّت أو أغفلت الفارق الشاسع بين النسبين.

إن من الضـروري بل من الضروري جداً لمن أراد أن ينقل هــذه الروايات أن يجعل معياره في الحكم انطلاقاً مــن هذا الفارق والتمييز الجذري والجوهري وإخراجه من مظلة المقارنة (الأقاربية والأحبابية) المستحيلة التي لا يقبلها الدين والعقل والمنطق إلى ساحة التحقيق في تاريخ وسيرة ونسب كل منهما باستخدام التحقيق التاريخي والبحثي المنطقي السـليم والرؤية المحددة التي تنفذ إلى الماضي بعمق وتفحّص لرسم صورة حقيقية تتطلع إليها الأجيال.

فهذه القصة وضعـت كل فريق في مستواه الطبيعي، وكان الأحرى أن يلتفت إليها المؤرخون ويأخذوها بنظر الاعتبار قبل أن يطلقوا العنان لأهوائهم في رسم الصورة الرسمية السلطوية لهذه الزيجات التي عقد لها أغلب المؤرخين والكتاب قديماً وحديثاً حفلاً بهيجاً على شرف الخليفة ليباركوها ويقرعوا أنخاب تزلّفهم له وسط أجواء يعمّها التزييف والتدليس!!!.

لقد ميّزت هذه القصة تمييزاً واضحاً ضخامة الفروقات بين النسب النبوي الذي تقلب في الساجدين وانتقل من الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة, وبين النسب المشبوه الذي يتنازع على كل وليد منه أربعة أو خمسة رجال وكشفت النفوس المريضة التي أدمنت الكذب والتزلف للسلطة من المؤرخين والكتاب المعاصرين الذين أسقطوها على كتاباتهم وجعلوها من المسلمات، هكذا وبكل (بساطة) دون أن يجعلوا لأحكامهم أي معيار منطقي أو اعتبار تاريخي!!

أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر

الزهرة التي تفتّحت في بيت الوحي، والغصن الذي تفرّع من  شجرة النبوة، نمت في ظلال الوحي، وشبّت على أخلاق الرسالة، وتطبّعت بطبائع أمها سيدة الصبر وجدتها سيدة نساء العالمين، هي البنت الوحيدة لعقيلة الطالبيين السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، أبوها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فحازت الشرف والكمال من ضفتيهما فكان من الطبيعي أن يخطبها أشراف العرب.

ولعل السلطة أنست معاوية نسبه المشبوه وحسبه الوضيع فتطاول لخطبتها لابنه يزيد!! وكلف واليه على المدينة مروان بن الحكم أن يخطبها من أبيها ليزيد بن معاوية، لكن عبد الله بن جعفر لم يكن ليسبق رأيه رأي سيد شباب أهل الجنة فيها فقال لمروان:

ــ إن أمرها ليس إلي إنما هو إلى سيدنا الحسين وهو خالها

وأخبر الحسين بذلك، فقال (عليه السلام): أستخير الله.., اللهمّ وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد.

وجاء مروان وحاشيته إلى المسجد وقال للحسين:

ــــ إن معاوية أمرني بأن أجعل مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ، مع صلح ما بين هذين الحيين، مع قضاء دينه، واعلم إن من يغبطكم بيزيد أكثر ممن يغبطه بكم، والعجب كيف يستمهر يزيد وهو كفؤ من لا كفؤ له، وبوجهه يستسقى الغمام فرد خيراً يا أبا عبدالله!!! 

هذه النبرة لم تكن جديدة على هذا السيئ فقد كان له مثلها يوم الجمل ولا زالت نغرته وحقده وشعوره بالنقص يتفاقم يوماً بعد يوم.

فقال الحسين: الحمد لله الذي اختارنا لنفسه، وارتضانا لدينه، واصطفانا على خلقه. أما قولك: مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله في بناته ونسائه وأهل بيته، وهو اثنتا عشرة أوقية يكون أربعمائة وثمانين درهما.

وأما قولك: مع قضاء دين أبيها، فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنا ديوننا؟.

وأما صلح ما بين هذين الحيين فإنا قوم عاديناكم في الله، ولم نكن نصالحكم للدنيا، فلعمري لقد أعيا النسب فكيف السبب؟ 

وأما قولك: والعجب كيف يستمهر يزيد؟ فقد استمهر من هو خير من يزيد، ومن أبي يزيد، ومن جد يزيد!

 

محمد الصفار