ارتبط اسم هذه السيدة الجليلة بحادثة عظيمة في تاريخ المسلمين ألا وهي حادثة الإسراء والمعراج فقد أشارت كل المصادر والتفاسير التي تحدثت عن ليلة الإسراء والمعراج إلى أن (صلى الله عليه وآله) أسري به إلى المسجد الأقصى من بيتها.

 فعندما رجع (صلى الله عليه وآله) من الطائف بعد دعوته قبيلة ثقيف إلى الإسلام فلم ير منهم ما يبشّر بخير عاد حزينا إلى مكة ولما دخلها زار ابنة عمه فاختة وبات عندها، فكانت حادثة الإسراء والمعراج في تلك الليلة من بيتها ما ذكر الإسراء والمعراج إلا وذكر معه اسم أم هانئ
هي فاختة بنت أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب ابنة عم النبي ــ صلي الله عليه وآله ــ, وأخت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وجعفر وعقيل وطالب وجمانة, وأمها فاطمة بنت أسد, وقد عرفت فاختة بكنيتها (أم هانئ) وقد اختلف المؤرخون في اسمها فقيل إن اسمها فاطمة, وقيل هند وقيل عاتكة, وقال أغلبهم إن اسمها فاختة وهو المرجح والمشهور وهي أشهر بكنيتها (أم هانئ).
نشأت فاختة في البيت الذي احتضن النبوة وترعرعت فيه الإمامة وهي أخت علي بن أبي طالب ولم تشر المصادر إلى تسلسلها في السن ضمن أخوتها لكن هناك مؤشرات تدل على أنها كانت أسن من أمير المؤمنين (عليه السلام) بكثير حيث أنها كانت متزوجة عندما يوم الفتح ولديها أربعة أولاد.
لم تشر المصادر إلى سنة إسلامها بالتحديد غير أن روايتها لحديث الإسراء والمعراج تشير إلى أنها كانت من السابقات إلى الإسلام وإن إسلامها كان مع إسلام أهل البيت النبي مع أمها وأخيها علي بن أبي طالب حيث جاء في روايتها عن ليلة الإسراء ما نصه: (ما أسري برسول الله إلا وهو نائم في بيتي فصلى العشاء الآخرة ثم نام ونمنا فلما كان قبل الصبح أهبّنا رسول الله فلما صلى الصبح وصلينا معه...) (1)
وهذا يدل على أنها كان مسلمة في ليلة الإسراء كما يدل على إسلامها أن رسول الله قد أجار من أجارته من المشركين وفقاً للحديث الشريف: (إن ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ويجير عليهم أضعفهم) وسيأتي تفصيل هذه الحادثة.

 

زواجــها
تزوجت فاختة هبيرة بن عمرو بن عائذ المخزومي وولدت له جعدة وعمرو ويوسف وهانئ وكان جعدة أحد قادة جيش خاله أمير المؤمنين المعتمدين لديه المخلصين له وله كثير من المواقف المشرفة في حروبه الثلاث, بعد فتح مكة هرب زوجها هبيرة إلى نجران ففرق الإسلام بينهما فقال هبيرة حين فرّ من المسلمين:
لعمرك ما وليت ظهري محمداً * وأصحابه جبناً ولا خيفةَ القتلِ
ولكنني قلبتُ أمري فلم أجدْ * لسيفي غناءً إن ضربتُ ولا يبلي
وقفتُ فلمّا خفتُ ضيقةَ موقفي * رجعتُ لعودٍ كالهزبرِ إلى الشبلِ
ولما سمع هبيرة بإسلام أم هانئ قال:
أَشَاقَتْكَ هِنْد أم أتاكَ سـؤالُـهـا * كذاك النَّوى أسبابُها وانْفِتالُـهـا
وقد أَرَّقَتْ في رأسِ حِصنٍ مُمَرًّد * بنَجْرانَ يَسري بعدَ ليلٍ خَيَالُهـا
وعاذلة هبَّتْ بليلٍ تلومني * وتعذلني بالليلِ ضلَّ ضلالُها
وتزعمُ أني إنْ أطعتُ عشيرتي * سأردى وهل يردين إلّا زيالها
فإنّي لمنْ قومٍ إذا جدَّ جدُّهم * على أيِّ حالٍ أصبحَ اليومَ حالها
وإني لحامٍ من وراءِ عشيرتي * إذا كان من تحتِ العوالي مجالها
وصارت بأيديها السيوفُ كأنها * مخاريق ولدانٍ ومنها ظلالها
وإني لأقلى الحاسدين وفعلهم * على الله نفسي رزقُها وعيالُها
وإن كلامَ المرءِ في غيرِ كنههِ * لكالنبلِ تهوي ليس فيه نصالها
فإن كنتُ قد تابعتُ دينَ محمدٍ * وعطّفتُ الأرحامُ منك حبالُها
فكوني على أعلى سحيقٍ بهضبةٍ * ململمةٍ غبراءَ يبسٌ بلالُها

خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاختة لكنها اعتذرت وقالت: (أنت أحب إلي من سمعي وبصري وحق الزوج عظيم وأنا أخشى أن أضيع حق الزوج..( 
ففضلت البقاء بلا زوج وتربية أبنائها على أن تهدر حقوق الزوج أو تقصّر فيها, وكان النبي يجلها ويحترمها لمكانتها منه ومما يدل على هذه المكانة العظيمة لها في نفس الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه أجار من أجارته من المشركين يوم الفتح حتى لقبت بـ (المُجيرة) وقد ذكرت جميع المصادر هذه الحادثة التي دلت على سموِّها ومنزلتها الكبيرة بين الناس وفي عين النبي فهي ابنة سيد البطحاء وابنة عم سيد البشر وأخت سيد الأوصياء وقد روى المفيد هذه الحادثة فجاء ما نصه:
(عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المسلمين عند توجهه إلى مكة أن لا يقتلوا بها إلا من قاتلهم وآمن من تعلق بأستار الكعبة سوى نفر كانوا يؤذونه.... فقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) الحويرث بن نفيل بن كعب وكان ممن يؤذي رسول الله (ص) بمكة وبلغه (عليه السلام) أن أخته أم هانئ قد آوت أناسا من بني مخزوم منهم الحارث بن هشام وقيس بن السائب فقصد (عليه السلام) نحو دارها مقنّعا بالحديد فقال: أخرجوا من آويتم فجعلوا يذرقون والله كما تذرق الحبارى خوفا منه فخرجت إليه أم هانئ وهي لا تعرفه فقالت: يا عبد الله أنا أم هانئ ابنة عم رسول الله وأخت علي بن أبي طالب انصرف عن داري فنزع أمير المؤمنين المغفر وقال: أخرجوهم فعرفته والتزمته وقالت: فديتك حلفت لأشكونك إلى رسول الله فقال لها (عليه السلام): اذهبي فأبري قسمك فإنه بأعلى الوادي فأتت النبي وهو في قبة يغتسل فلما رآها النبي قال: مرحبا بأم هانئ وأهلا... لقد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت فلا يقتلهما. ثم قال لها: لا تغضبي عليا فإن الله يغضب لغضبه.
وقال (صلى الله عليه وآله) لعلي: أغلبتك ؟ فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله ما قدرت أن أرفع قدمي من الأرض فضحك النبي وقال: (لو أن أبا طالب ولد الناس كلهم لكانوا شجعانا). (2(
روت أم هانئ (46) حديثا عن النبي ومن حديثها‏:‏ أن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم صلى ثماني ركعات غداة الفتح في بيتها‏.‏


وبقيت أم هانئ في مكة تحفظ القرآن الكريم وأحاديث الرسول حتى وافاها الأجل سنة (37هـ(


محمد طاهر الصفار
........................................................................
1ــ السيرة النبوية ابن هشام ج2 ص 40
2ــ الإرشاد ص 62