تخشع الكلمات وهي تسبح في عالم النور الإلهي لتقتبس منه معاني السمو التي تجسّدت في شخصية الإمام علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين، فتشع منه بالقداسة النبوية والعصمة الإمامية، فهو سليلهما ووريثهما وهو الإمام الرابع في سلسلة الأنوار الإلهية الإثني عشر (صلوات عليهم أجمعين) من بني هاشم الذين أكد النبي (صلى الله عليه وآله) على الإصطفاء السماوي لهم في أحاديث كثيرة، فهم أوتاد الأرض وثقلها، وأمناء الإسلام، وحفظة الوحي، ومعدن الرسالة، وأمان الأمة، وباب حطة، ونجوم الهداية، وسفينة نوح، وهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
إنه قمر شعبان وربيع الزمان علي بن الحسين (عليه السلام) ذلك الإمام الذي ولد في بيت النبوة فاختاره الله واصطفاه ليكون فيه سرّ الإمامة وحفظها في صلبه وتكون منه الذرية الطاهرة التي أرست دعائم الإسلام وحفظت شريعة النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله).
تناقلته الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة فهو ابن الحسين بن علي بن أبي طالب سيد شباب أهل الجنة ومن رحم السيدة شهر بانو بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى ملك الفرس تلك السيدة التي أختارها الله لتحتضن الروح الطاهرة وخصها لتكون ملكة النساء فلقب مولودها الإمام زين العابدين بابن الخيرتين لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (أن لله من عباده خيرتين فخيرته من العرب قريش ومن العجم فارس ) وحسب هذه السيدة الطاهرة فخراً وشرفاً أن نور الإمامة انحصر بها عن طريق وليدها الطاهر.
عاصر الإمام زين العابدين جده أمير المؤمنين وعمه الحسن فأكتسب من صفاتهما وتحلى بخصالهما في التزام جانب الحق والثورة على الباطل، فهو ابن أبي الأحرار ورمز الثوار وسيد الشهداء وعلم الإباء ومنار الفخر فاكتسب من أبيه وعمه وجده الصفات العظيمة والأخلاق الرشيدة والخصال الحميدة.
يقول الفرزدق فيه (عليه السلام):
ينشقُّ نورُ الدّجى عن نورِ غرَّته *** كالشمسِ تنجابُ عن إشراقِها الظلمُ
الله فضّله قُدماً وشرّفه *** جرى بذاكَ له في لوحهِ القلمُ
ويقول فيه مهيار الديلمي:
قد قبستَ المجدَ من خيرِ أبٍ *** وقبستَ الدينَ من خيرِ نبي
وضممتَ الفخرَ من أطرافِهِ *** سؤددَ الفرسِ ودينَ العربِ
قُدّر للإمام زين العابدين أن يشهد مصيبة كربلاء فكانت تلك الفاجعة حاضرة أمامه بكل مأساتها وجراحاتها فبعد الفراغ الكوني الذي خلفه الإمام الحسين (عليه السلام) باستشهاده؛ قُدّر للأمام زين العابدين أن يرافق السبايا من كربلاء إلى الكوفة ثم إلى الشام، وإضافة إلى هذه المآسي التي شاهدها الإمام (ع) في كربلاء والكوفة والشام فقد شاهد الكثير من الأحداث المأساوية التي جرت بعدها على يد السلطة الأموية الطاغية فعاش (ع) ظروفاً صعبة للغاية وهو يرى أمام عينيه الجور والظلم والانحراف والفساد وهو يستشري ويطغى، فحمل هموم الأمة والرسالة بأكملها وراح يصدع بتعاليم الدين الحنيف مدافعاً عنه بكل ما أوتي من قوة ويبث بين الناس من روحه الكبيرة ما حملته من أخلاق وعلم وصفات نبوية.
ومن مواقفه الكثيرة في مقارعة الباطل والتصدي له خطبته التي ألجمت الأفواه في قصر يزيد بن معاوية، فكان لسان الحق الذي نطق به الأمام كوقع السيف على أعناق الباطل، ولشدة ما أرهب صدى خطابه الطاغية يزيد وما أوقعه في نفسه ونفوس أذناب الشرك من أتـباعه من خوف فقد عجّل يزيد اللعين بإخراج الأمام والعيال من الشام إلى وطنهم ومقرهم .
أنصرف الأمام بعد رجوعه إلى المدينة المنورة على إكمال مسيرة ثورة أبيه الحسين (عليه السلام) ونهج جده أمير المؤمنين من خلال تأسيس بناء علمي معرفي للمذهب أشتمل على تعليم الناس ونشر الثقافة الإسلامية تجسدت في كتب تناقلتها الأجيال فأثرت المكتبة التاريخية بتراث فكري منهجي عظيم، حيث كان للصحيفة السجادية ورسالة الحقوق الأثر البالغ في تصحيح مسار الفكر الإسلامي والحفاظ عليه من طغاة العصر .
دامت مدة إمامته (عليه السلام) (34) عام من سنة (61) إلى (95) هجرية . أنقطع فيها إلى عبادة الله فعرف بزين العابدين لشدة ورعه وتقواه، كما كان له عدة القاب عرف بها وأرتبطت بعبادته ومنها السجاد لأطالته السجود لله . وبعد وفاته في (25) من شهر محرم أستمرت علومه السجادية بتكوين فكر عقائدي لكل طالب معرفة وأستمرت كمعين لاينضب من علم اشتمل على علاقة العبد بالله وحقوق الخالق على خلقه كاتفاقية كونية سارية المفعول إلى يوم يبعثون .

 

إيمان كاظم الحجيمي