ذكرى .. لم تكن لتتوارى هاربة خلف ذاكرتي كالمواقف اليومية العابرة، سيما وأن ترانيم صوتها نفذت الى روحي بنبرةٍ حانية ضمت الكثير من السكينة والرضا فأوراق عشقها تدخل القلوب دون استئذان حتى تراءى لي أن القلوب لم تعد تحدها أبواب وأقفال بعد ذلك، ومن الغريب أن كلامها لم يكن قضية آنية معاصرة فمن منا لا يعرف ذلك الحبل المتين بين القلب والعقل الذي يشدنا الى بارئنا من كل صوب مع انني شعرت أنه طرق أبواب سمعي للمرة الأولى!! .

إنما هي طريقتها المثلى في إعلان عشق دائم، والصدق الذي يتملك حواسنا ويشدنا إلى الإذعان لصوته، سيما بدعوة تُقَدم مع بطاقة قبول غير مشروطة مقدماً، دعوةٌ خاصةٌ للتصالح مع ذاتك ليحدث ذلك التوازن الحلو الممزوج بالسعادة الذي تغدوا معه حمائم الروح مطهرة من كل شائب، هي حلاوة الثواب وتراتيل سماوية تجلي الهموم، هي راحة القلب موصولة بطمأنينة غريبة ما إن تسمعها حتى يستسلم الخشوع لدم الإعجاز الذي يجري في عروقها من الألف الى الياء، كل شيء يشدك إليها وهي تخبرك أنْ لا إكراه في الدين لك ما شئت اتركني إن أردت، لكنك تعجز عن ذلك، مأسوراً بجسور المسك القادمة معها من الفردوس محملةً بلغة الرحمن دون وحيٍ يُنزَل، هي لغة كتاب الله وإعجازه .

في ذلك اليوم الذي لا يغيب ذكراه .. أوصتني أن أترك لأسوار قلبي فرصة الغوص في رحلة التدبر كي اصل الى كنه حقائقها واسرارها ففيها الدليل الى الله .

لا أنسى كيف أسمتها (لغة السكر) وهي تحدثني عن لغة القرآن الكريم وحلاوتها وتلهمني أن ارتوي من مناهل علمهِا والغوص في تعاليمها والإذعان لأسرارها وأن أكتم قصوري في تفسير بلاغتها حتى أفهم، ثم احصن نفسي ومالي وولدي (بألم و كهيعص) واستنجد به في حلو الأيام ومرها .

كانت تستشهد بآية كريمة بين كل جملةٍ وأخرى فتدبج أروع القصص والحكم حتى ظننت أن القران حبيبها وأنيس نفسها، حيث بدأت كلامها وختمته بشهد كلماته وبينهما روت لي نفحات من عطر الولاية المحمدية في حديثٌ لأمير المؤمنين (عليه السلام) : "وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه أنفع القصص" عندها ختمت قلبي بحبه وتلاوته .

 

نغم المسلماني