الصباح في وطني ليس ككل الصباحات ، فبرغم شدو الطير وتغريده المستمر، وتلك الترنيمة المنسابة مع حفيف الشجر ، والنسمات التي تهدهد بعشق منذ أول الفجر إلا إن في الطوايا سر خفي منفرد . منفرد حالك يا وطن ..فكما تميزت بالويلات والمحن فانك تفردت بالسخاء والكرم ، فلطالما كنت في وقت ليس ببعيد مرتعا للمبعدين وملاذا للمحتاجين وسكنا للمحرومين حتى صرت كالأم الحنون عندما تجعل من ثنايا عباءتها خيمة تضم بها الجميع . الجميع ممتنون هكذا تقول الصحف وتتناقلها الألسن والكل يعبر عن جل هذا الامتنان بشيء مختلف ، منهم من يهديك باقة ورد مغلفة بإطار فتاك قاتل ، والأخر يزرع لك الأرض حبا وسنابل لتحصدها بعد حين جماجم ، أما الأكثر غرابة بين الهدايا أن يمنحك البعض أجسادهم كي تتناثر في فنائك الرحب الواسع وهي عربون أخوة وولاء عرقي ساخر . ساخر هو القدر وغريب كذلك هو الدهر إذ لا يؤمن له خل ولا صاحب ، فلا تأبه لشيء أيها الوطن بل قهقه عاليا ملأ شدقيك على من باع الضمائر بالدراهم ولا ضير أن ترمق بازدراء أولئك المرتزقين في الحانات والمتمسكين بأعقاب السكائر فكل شيء ماض لا محال وحقك إن في صمتك الموجع ذاك قوة تمزق بها حتى قيود السلاسل . عذب ماؤك يا عراق لكن أرضك اليوم تستباح فيا حسرتي إذ ترتوي بالدم بدل الماء ويا وجعي من صداع لا يفارقني وأنا اسبر أغوارك وأجهد في هواك ولشد ما تساءلت !! أكتب عليك الشقاء يا وطن الخير والعطاء ؟ أم غاية حب الله لعباده البلاء ! لكني للتو أيقنت أن ما ذاك السر المنفرد بك يا عراق إلا لأنك عريق يا عراق .

 

منتهى محسن محمد