تضمنت النصوص القرآنية على المبادئ الأساسية لمنهجة السلوك الإنساني، إذ لم توجه لأمة محمد صلى الله عليه واله وسلم حصرا؛ بل خاطبت الإنسان بالمطلق مع وضع ركائز للدين الإسلامي، بعد ذلك ورد عن الإمام السجاد عليه السلام رسالة الحقوق لتؤكد مضمون القرآن الكريم في وضع دستور سرمدي يؤمن السبيل المُعبد لوصول العبد مطمئنا إلى بارئه.

نص حق الولد وفق ما جاء في رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام) :

(وأما حق ولدك فتعلم أنه منك، ومضاف إليك، في عاجل الدنيا بخيره وشره، وإنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربه، والمعونة على طاعته فيك وفي نفسه فمثاب على ذلك، ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربه في ما بينك وبينه بحسن القيام عليه، والأخذ له منه ولا قوة إلا بالله...).

 

تضمنت رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام) على مبادئ اخلاقية يمكن ان ينتهجها الإنسان في أي زمان مهما طرأت تغييرات على نمط الحياة, ومهما تقدم العلم والتكنولوجيا, وتراكمت الخبرات في المجالين النظري والتطبيقي فيما يخص السلوك الإنساني؛ على اعتبار إن رسالة الحقوق يمكن اعتمادها كاتفاقية عالمية تضمن حقوق الإنسان, ودستور أخلاقي ينظم حياة الفرد على اختلاف شكله, ودينه, ومعتقده ,ولغته.... .

حق الولد هو من الحقوق التي نحتاج أن نضع عليها أصبع التشخيص بل كف الاهتمام, كوننا نتعرض لحرب فكرية تحاول تفكيك المبادئ والمعتقدات لتسهيل أدلجة الطفل لفكر معين يبعده عن التفكير الحر والمنطقي في مراحل حياته المستقبلية, وبذلك يجندون الأطفال بصورة غير مباشرة على الثورة والهجوم على مبادئهم ومعتقداتهم بدلا من مواجهة أي نزعة غير أخلاقية تُصدرها هذه الجهات المعنية بتراجع المجتمعات الإسلامية وفرض السيطرة عليها فكريا قبل السيطرة العسكرية.

تضليل الأفكار

فما تصدره اليوم كبرى الشركات المنتجة لتطبيقات التواصل الاجتماعي, وما تبثه عبر اليوتيوب, فضلا عن الإعلانات المدفوعة الثمن التي ترتبط بالمقاطع المرئية, ما هي إلا وسائل لتوهين الشخصية, وتبديد الوقت لا سيما بغياب الرقابة على هذه التطبيقات, وللأسف الأسوء من ذلك هو غياب الرقابة من الأهل حول ما يشاهده الطفل بل ما يتعرض له من خلال مشاهداته هذه, فقد ورد في حديث لأمير المؤمنين لأبنه الحسن (عليهما السلام) " إنما قلب الحدث كالأرض الخالية, ما أُلقي فيها من شيء قبلته, فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ".

ودلالة هذا الحديث هو ما لم يصل له الباحثون في مجال علم نفس الطفل إلا بعد دراسات معمقة وجهد حثيث؛ للخروج بنظرية إن الطفل كائن يعتمد أسلوب التقليد والمحاكاة منذ بواكير عمره, لذا فأن البيئة التي تتوفر له يعكسها هو كسلوك ويبدأ بترجمة ما يدور حوله على شكل أفعال وأقوال, وهذا الأمر يرتبط حتى في فترة حضانته داخل رحم الأم أي في الطور الجنيني, فاكتسابه للجينات الوراثية والاستجابات العصبية والتأثيرات النفسية تكون مُفعلة في هذه الفترة, وبعد الولادة ومنذ الإيام الأولى ثمة تأثيرات مهمة تساهم بشكل مباشر في بناء الشخصية, وفي مرحلة متقدمة أي في مرحلة النطق والمشي تبرز سلوكياته على إنها تطبع وتقليد لكل ما يدور حوله, وتستمر هذه الفترة حتى سن النضوج والإدراك.

منهجية الحق

وفق ما تقدم فإن من حق الطفل أن يرفل في بيئة نقية تحت رقابة دقيقة من الأهل ولكن غير مباشرة, وأن يعي الأبوان حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهما, وأنهما الحجر الأساس في بناء سلوكيات أبنائهم كما انهما أداة ترميمية تصحح أي تصرف خاطئ للطفل مكتسب من البيئة الخارجية, ومهم جدا ان يدركا أن التغييرات التي طرأت على سلوكيات الجيل المعاصر ما هي إلا رد فعل طبيعي لمتغيرات نمط الحياة, والانفتاح على ثقافات مختلفة لا تصلنا منها الصورة الإيجابية بقدر ترويجها للجانب السلبي, وإن أهم حق من حقوق الطفل في الحياة بعد توفير الحاجات الضرورية للحياة (الحاجات الفسيولوجية) وربما في الاهمية ذاتها, هو حق التربية بتوفير أرض نقية صالحة للإنبات, والإدامة بتطهير نفوسهم من أي سلوكيات دخيلة وطارئة كي لا تترسخ في تعاملاتهم وتصبح عادة.

إيمان الحجيمي