لو قيِّض للتاريخ أن يتحرَّر من أسر السلطة وقيود المؤرخين لشخصت هذه السيدة الجليلة كأنموذجٍ عالٍ يُحتذى به في عالم المرأة عبر الأجيال ولأبرزت سيرتها المليئة بالتضحيات لتجسّد القدوة والأسوة بعد سيدة نساء العالمين وعقيلة الطالبيين (عليهما السلام) في الثبات والرسوخ واليقين والإيمان والصبر على الشدائد.
لو قيِّض لمن يلمّ بسيرة هذه العلوية الطاهرة من زوايا المصادر ودفائن المخطوطات لحُظي تراثنا بمفخرة نسوية اجتمعت فيها خصائص المثال الأعلى للمرأة المسلمة المؤمنة الصابرة, إنها المرأة التي حملت صفات العظمة والصبر على المآسي والتحلي بالحكمة والصبر وهي في أسمى درجات الكمال, فكانت شامخة كالطود الأشم وهي تنظر إليهم وهم يسيرون على خط الشهادة في مملكة المجرمين.
إنها السائرة في موكب الخالدين وهي تضيء قناديل الشهادة خلف جبل الصبر وقمة الإباء السيدة زينب العقيلة الحوراء لتكمل مسيرة الثورة على الظلم والطغيان الأموي في طريق الحرية الحمراء المصطبغة بالدماء من أجل ضمان حياة الأمة وهتك أقنعة الزيف والتحريف السلطوي.
لقد خص الله هذه المرأة العظيمة بخواص عظيمة وأكرمها بأنها تفرعت من الثوار الشهداء وأثمرت بالثوار والشهداء فتنفست عبير الشهادة حتى خالط روحها ودمها.
العلوية ريطة
السيدة الطاهرة ريطة بنت عبدالله بن محمد ــ بن الحنفية ـــ بن علي بن أبي طالب (عليه السلام), من سيدات بني هاشم ومن راويات الحديث روت عن أبيها وزوجها وقد وصفها النسابة ابن الصوفي في (المجدي في أنساب الطالبيين ص429): (إنها من ذوات الشأن من نساء بني هاشم).
أبوها
أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) من التابعين ومن سادات بني هاشم قال عنه ابن سعد في الطبقات الكبرى (وقد كان لأبي هاشم منزلة عالية القدر عند الشيعة، فكانوا يلقونه ويلتفون حوله). وقد ذكر الذهبي في (سير أعلام النبلاء): (إن عبد الله بن محمد توفي سنة (98هـ) مسموماً على يد سليمان بن عبد الملك وكانت وفاته سنة (98هـ).
زوجها
الثائر الكبير والشهيد العظيم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) الداعي إلى الحق والمحارب للظلم والجور الأموي والسائر على خطى جده أبي الأحرار الإمام الحسين ( عليه السلام) حتى مضى شهيداً وقطع رأسه الشريف وصلب جسده ثم أحرق ونسف, قال عنه الإمام الرضا (عليه السلام): (كان عمي زيداً من علماء آل محمد).
أبناؤها:
1ـ يحيى بن زيد: اشترك مع أبيه في ثورته وسار على نهج أبيه فقام بثورة على الأمويين في خراسان انتهت باستشهاده في الجوزجان وأرسل رأسه الشريف إلى أمه ريطة في المدينة, وحينما نظرت إليه شهقت وكادت تموت من لوعتها وحرقتها عليه ثم قالت: (شردتموه عني طويلاً, وأهديتموه إليَّ قتيلاً, صلوات الله عليه وعلى آبائه بكرة وأصيلاً), وكانت ريطة تتلهف لسماع أخبار ولدها ورؤيته حتى قال فيها أبو ثميلة الأبار:
فلعلَّ راحمَ أُمّ موسى والذي * نجّاهُ من لججٍ خضمٍّ مُزبدِ
سَيُسِرُّ (ريطة) بعدَ حزنِ فؤادِها * يحيى، ويحيى في الكتائبِ يرتدي
2 ـ الحسين بن زيد الملقب بـ (ذي الدمعة) رباه الإمام الصادق (عليه السلام) وأسكنه في بيته وعلّمه العلوم والآداب والسنن, وقد شهد الحسين حرب محمد وإبراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن بن الحسن فلما قتلا توارى عن الأنظار حتى توفي في الكوفة سنة (134هـ).
3 ـ عيسى الملقب بـ (مؤتم الأشبال), قال عنه الحسين (صاحب فخ): (لم يكن فينا خير من عيسى بن زيد), خرج ثائراً مع ذي محمد ذي النفس الزكية وشارك في ثورته مشاركة فعالة فكان على ميمنة جيشه وصاحب رايته, ثم خرج مع إبراهيم قتيل باخمرى وكان صاحب رايته أيضاً, ولما قُتل إبراهم توارى عيسى عن الأنظار في الكوفة وبقي متخفياً حتى توفي سنة (196هـ).
4 ـ محمد بن زيد وهو أحد الرجال الخمسة عشر من كبار العلويين الذين أشهدهم الإمام الكاظم على إمامة الإمام الرضا (عليهما السلام)، ولم يسلم محمد كآبائه وإخوانه من جور العباسيين وظلمهم فسجن أيام المنصور وأيام المهدي، وقتل مسموماً أيام المأمون ودفن في البقيع.

 


محمد طاهر الصفار