سؤال عن موقف الإمام السجاد(عليه السلام) من ثورة المختار الثقفي

ذكر بعض أصحاب التأريخ أخبارا متضاربة عن موقف الإمام السجاد(عليه السلام) من ثورة المختار الثقفي, منها ما يدل على عدم رضا الإمام(عليه السلام) بفعل المختار وذمه له, ومنها ما يدل على رضاه (عليه السلام) وتأييده لثورته.

فأيها أحق ان يتبع ويؤخذ به ؟

الجواب:

بادئ ذي بدء نستعرض نزراً يسيراً من الأخبار الذامة للمختار الثقفي ثم نردفها بذكر الأخبار المادحة له, بعدها نعرج على الجواب .

 أما الروايات الذامة فهي كالآتي :

الرواية الأولى: " محمد بن الحسن ، وعثمان بن حامد ، قالا : حدثنا محمد بن يزداد الرازي ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن عبد الله المزخرف ، عن حبيب الخثعمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان المختار يكذب على علي بن الحسين عليه السلام .

الرواية الثانية: جبرئيل بن أحمد ، حدثني العبيدي ، قال : حدثني محمد بن عمرو ، عن يونس ابن يعقوب ، عن أبي جعفر ( ع ) قال : كتب المختار بن أبي عبيدة إلى علي بن الحسين ( ع ) وبعث إليه بهدايا من العراق ، فلما وقفوا على باب علي بن الحسين دخل الآذن يستأذن لهم فخرج إليهم رسوله فقال : أميطوا عن بابي فإني لا أقبل هدايا الكذابين ، ولا أقرأ كتبهم ، فمحوا العنوان وكتبوا المهدى إليه محمد بن علي ، فقال أبو جعفر : والله لقد كتب إليه بكتاب ما أعطاه فيه شيئا إنما كتب إليه يا ابن خير من طشى ومشى ، فقال أبو بصير لأبي جعفر عليه السلام : أما المشي فأنا أعرفه فأي شئ الطشي ؟ فقال أبو جعفر : الحياة .

الرواية الثالثة: محمد بن مسعود ، قال : حدثني ابن أبي علي الخزاعي ، قال : حدثني خالد ابن يزيد العمري ، عن الحسن بن زيد ، عن عمر بن علي : ان المختار أرسل إلى علي بن الحسين ( ع ) بعشرين ألف دينار فقبلها ، وبنى بها دار عقيل بن أبي طالب ودارهم التي هدمت ، قال : ثم إنه بعث إليه بأربعين ألف دينار بعدما أظهر الكلام الذي أظهره ، فردها ولم يقبلها ، والمختار هو الذي دعا الناس إلى محمد ابن علي بن أبي طالب بن الحنفية وسموا الكيسانية ، وهم المختارية ، وكان لقبه كيسان ولقب بكيسان لصاحب شرطته المكنى أبا عمرة ، وكان اسمه كيسان, وقيل إنه سمى كيسان بكيسان مولى علي بن أبي طالب ( ع ) وهو الذي حمله على الطلب بدم الحسين ودل على قتلته ، وكان صاحب سره والغالب على أمره .

وكان لا يبلغه عن رجل من أعداء الحسين ( ع ) أنه في دار ، أو موضع ، إلا قصده ، وهدم الدار بأسرها وقتل كل من فيها من ذي روح ، وكل دار بالكوفة خراب فهي مما هدمها ، وأهل الكوفة يضربون به المثل ، فإذا افتقر إنسان قالوا : دخل أبو عمرة بيته ، حتى قال فيه الشاعر :

إبليس بما فيه خير من أبي عمرة * يغويك ويطغيك ولا يعطيك كسرة " .

وهذه الروايات لا يمكن التعويل عليها؛ لضعف سندها , يقول السيد الخوئي(قدس سره) بعد إيراده هذه الروايات التي جاء فيها اتهام المختار بالكذب وأنه كان كيسانياً: هذه الروايات ضعيفة الاسناد جدا ، على أن الثانية منهما فيها تهافت وتناقض([1]) .

وقال البروجردي في كتابه طرائف المقال ما نصه: «المختار بن أبي عبيد، وفيه أحاديث مختلفة قادحة ومادحة والترجيح مع الثانية[ أي المادحة] ويكفي في حقه أنه انكسر قوارير([2]) الكفر وقتل جما خطيرا من بني أمية يبلغ إلى ثمانين ألف رجل كما في بعض الاحاديث»([3]).

 

وأما الروايات المادحة فهي متضافرة كما ذكر ذلك السيد الخوئي (قدس سره) في معجمه, وهي:

الرواية الأولى:-  ما ذكره الكشي : " إبراهيم بن محمد الختلي ، قال : حدثني أحمد بن إدريس القمي ، قال : حدثني محمد بن أحمد ، قال : حدثني الحسن بن علي الكوفي ، عن العباس بن عامر ، عن سيف بن عميرة ، عن جارود بن المنذر ، عن أبي عبد الله ( ع ) قال : ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت ، حتى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين ( ع ) " .

وهذه الرواية صحيحة.

الرواية الثانية:- " حمدويه ، قال : حدثني يعقوب ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن المثنى ، عن سدير ، عن أبي جعفر ( ع ) قال : لا تسبوا المختار ، فإنه قتل قتلتنا ، وطلب بثأرنا ، وزوج أراملنا ، وقسم فينا المال على العسرة " .

قال الشيخ حسن بن زين الدين العاملي في التحرير الطاووسي : هذا حديث حسن الطريق([4]).

كما حسن الحديث العلامة الحلي في كتابه خلاصة الأقوال([5]).

الرواية الثالثة:- " محمد بن الحسن ، وعثمان بن حامد ، قالا : حدثنا محمد بن يزداد ، عن محمد ابن الحسين ، عن موسى بن يسار ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عبد الله بن شريك ، قال : دخلنا على أبي جعفر ( ع ) يوم النحر وهو متكئ ، وقد أرسل إلى الحلاق فقعدت بين يديه ، إذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبلها فمنعه ثم قال : من أنت ؟ قال : أنا أبو محمد الحكم بن المختار بن أبي عبيدة الثقفي : وكان متباعدا من أبي جعفر ( ع ) - فمد يده إليه حتى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده ، ثم قال : أصلحك الله إن الناس قد أكثروا في أبي وقالوا والقول والله قولك ، قال : وأي شئ يقولون ؟ قال : يقولون كذاب ، ولا تأمرني بشئ إلا قبلته . فقال : سبحان الله أخبرني أبي والله إن مهر أمي كان مما بعث به المختار ، أو لم يبن دورنا ، وقتل قاتلينا ، وطلب بدمائنا ؟ رحمه الله ، وأخبرني والله أبي أنه كان ليتم عند فاطمة بنت علي يمهد لها الفراش ويثني لها الوسائد ، ومنها أصحاب الحديث ، رحم الله أباك رحم الله أباك ، ما ترك لنا حقا عند أحد إلا طلبه ، قتل قتلتنا ، وطلب بدمائنا " .

الرواية الرابعة:- " جبرئيل بن أحمد ، قال : حدثني العبيدي ، قال : حدثني علي بن أسباط ، عن عبد الرحمن بن حماد ، عن علي بن حزور ، عن الأصبغ : قال : رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين عليه السلام وهو يمسح رأسه ويقول : يا كيس يا كيس " .

الرواية الخامسة:- " حدثني محمد بن مسعود ، قال : حدثني أبو الحسن علي بن أبي علي الخزاعي ، قال : حدثني خالد بن يزيد العمري المكي ، قال : حدثني الحسن بن زيد بن علي بن الحسين ، قال : حدثني عمر بن علي بن الحسين : ان علي بن الحسين عليهما السلام لما أتي برأس عبيد الله بن زياد ، ورأس عمر بن سعد ، قال : فخر ساجدا وقال : الحمد لله الذي أدرك لي ثاري من أعدائي ، وجزى الله المختار خيرا "([6]) .

 وخلاصة ما يمكن ان يجاب على السؤال المذكور أعلاه :

إنّ الإمام السجاد (عليه السلام) كان راضياً بتلك الثورة التي قادها المختار الثقفي الا أنه (عليه السلام) لم يكن داعياً إليها ولا داعما لها ولم يُعلم رضاه الا من خلال محمد بن الحنفية, دل على ذلك رواية ابن نما الحلي, حيث قال: وقد رويت عن والدي إن ابن الحنفية قال لهم قوموا بنا الى امامي وإمامكم علي بن الحسين (عليهما السلام) فلما دخلوا عليه واخبره الخبر قال: (ياعم لو ان عبداً زنجياً تعصب لنا أهل البيت لوجب على الناس موازرته وقد وليتك هذا الامر فاصنع ما شئت) فخرجوا وهم يقولون اذن لنا زين العابدين ومحمد بن الحنفية([7]).

فهذه الرواية واضحة الدلالة على قبول الإمام بثورة المختار ورضاه بها ولا يستشف منها تحريضه عليها وأمره بها.

 

الكاتب السيد مهدي الجابري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[1]- ينظر: معجم رجال الحديث – للسيد الخوئي – ج19/ ص103.[2] - لعل الصحيح : انكس قوارير أو كسر قوارير الكفر .[3] - طرائف المقال – للسيد علي البروجردي – ج2/ص71.[4] - التحرير الطاووسي – حسن بن زين الدين العاملي (صاحب كتاب معالم الدين) - : ص 559.[5] - خلاصة الأقوال – للعلامة الحلي - ج 1 ص 261[6] - ينظر: معجم رجال الحديث – للسيد الخوئي – ج19/ ص103- 104.[7] - ذوب النضار – لابن نما الحلي – ص97.

gate.attachment