الوَلايَةُ وَالبَرَاءةُ كُبْرَاهُما عَقلِي وَصُغْرَاهُما شَرْعِي..

مسألة الولاية والبراءة كالطائر الذي له جناحان للطير بهما والعلو فوق السماء ومن دونهما لا يمكنه ذلك ، فلا يستطيع ان يطير ويدفع الهواء ويتغلب على الجاذبية التي تجذبه لإنحطاطه فلولا الجناحان لا يمكنه ذلك فهما كمال له، فلو اُصِيب جناحٌ له لم يستطع الطيران بالاخر.

فكذلك للانسان جناحان يرتفع ويرتقي بهما الى مصافّ الكمال، فمن دونهما لايمكنه الوصول الى ذلك، لكنّه قد يخطأ بتشخيص مصاديقهما، فيؤدي ذلك الى انحطاطه الخلقي، وهذان الجناحان عاملان للانسان بشكل عام الا وهما الايجاب والسلب، فكل انسان بمقتضى الفطرة التي اودعها الله تعالى فيه، إذا آمن بمسألة  تراه يرفض ضدّها ولا يقبلها بشكل مطلق لاعتقاده بتلك المسالة كـحسن العدل وقبح الظلم فكلاهما مسألتان عقليتان تطابقت عليهما آراء العقلاء ، على اختلاف مذاهبهم ونحلهم وامكنتهم وازمنتهم وعاداتهم وتقاليدهم، فهما لا يجتمعان بمعنى لا يمكن ان يكون شيء حسن وقبيح في شيء واحد من جهة واحدة..  و كل انسان ذو فطرة سليمة وعقل راجح يؤمن بذلك ويعتقد به فجانب الايجاب حسنُ العدل لا يوافق جانب السلب قبح الظلم، وهذه المسألة قائمة عليها انظمة دولية حتى وان اخطاؤا في تطبيقها، والكلام في الكبرى فهي مسألة عقلائية بأمتياز، ومن امثلة ذلك: الايمان والاعتقاد والتسليم  بشيء أفهل يمكن ان تعتقد وتؤمن بضدّه ولا تتبرئ منه؟!.. كالاعتقاد بوجود الخالق وانه واحد فتتبرى وترفض ضدّه وشريكه، أوَ هل يمكن ان توالي الله وتوالي الشيطان؟!.. بالتأكيد كلا وهو  واضح بالضرورة ،كذلك الايمان بالنبي صلى الله عليه وآله يلازم البراءة من عدوه كأبي جهل ، والاّ فهل يمكن ان تعتقد وتجمع بينهما فشتان ما بين ذلك.

اقول: ان مسألة الولاية و البراءة كــجناحين الطّائر لا يمكن ان تستعمل وتعلو بالاول على حساب الثاني او العكس ، إن كان كذلك فاعلم ان هذه المسألة قد تكون من القضايا الضرورية إن دخلت تحت عنوان عام كحسن العدل وقبح الظلم وبعد التسليم بذلك، لابد للانسان من ولاء ٌوبراءٌ، وحسب الاستقراء ان كل انسان حسب ما تقتضيه فطرته، انه اذا آمن واعتقد بفكرة معينه، تراه يرفض ضدها، و من امثلة ذلك النّصارى الذين قالوا ان المسيح ابن الله فرفضوا ان يكون عبدا له تعالى، كذلك اليهود الذين قالوا ان عزيراً ابن الله ورفضوا ان يكون عبدا له ،  حتى ترى ان البوذي يؤمن بآلهة هو صنعها بيده ويرفض ما سواها!!، فنرى ان هذه المسالة (الولاء والبراء) طبعية وجدانية  بيد انهم اخطأوا في تطبيق مصاديقها وافرادها.

فأصل الولاية ثابت لوروده في الصحيح عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «بني الإسلام على خمس : الصلاة والصوم والزكاة والحجّ والولاية ، وما نودي بمثل ما نودي بالولاية » الكافي كتاب الحجة .

ولكن ايهما مقدم.؟!

تقديم البراءة على الولاية

 ولا يتم الولاء إّلا بعد البراء وهو الجناح الثاني للطائر الذي يدفع به الهواء ليرتفع فهو مساعد للجناح الاول فلولا الجناح الثاني لا يمكن للطائر الصعود مترا واحدا، فكلاهما واحد من حيث النتيجة، بل ربما يكون الجناح الثاني (البراءة) اكثر اهمية اذ لولاه لما كان للجناح الاول اهمية ككلمة التوحيد (لا إله إلا الله)فان المنافق يؤمن بحسب الظاهر بالله تعالى ويؤمن بشريكه ولا يتبرأ من عدوّه فلولا كلمة (لا) لما تم الاستثناء والولاء لله تعالى، بيد ان المشركين يؤمنون بوجود خالق قال تعالى عن لسانهم:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}لقمان(25)، ولكن يشركون به ويجمعون بين الضدين ومنه قوله تعالى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}الانبياء(22)، وقال تعالى { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة(256)

فأولا: يكفر بالطّاغوت ،

وثانيا: يؤمن بالله، فان دلّ ذلك على شيء فإنه يدلّ على ان البراءة سابقة ومقدمة على الولاية لانه لايمكن الايمان بالطّاغوت والايمان بالله تعالى فلابد من الكفر بالطّاغوت والايمان به تعالى ويدلّ على ذلك ماجاء عن كتاب الاعتقادات في دين الامامية ص105(لايتم الاقرار بالله وبرسوله وبالائمة الا بالبراءة عن أعدائهم واعتقادنا في البراءة انها واجبة).

كذلك ما صرحت به الاخبار عن الامام الصادق عليه السلام حبُّ أولياء الله والولاية لهم واجبة والبراءة من اعدائهم واجبة.

كتاب الخصال للشيخ الصدوق (ج2 : ص153).

وفي رواية اخرى قال الامام الصادق عليه السلام(ديني ودين آبائي الولاية لدينا والبراءة من عدوينا) الكافي ج١ص٢٢ ح10.

وما يقابل الولاء هو العداء والبغض والحقد لأعداء الله ورسوله وأهل بيته  فلا بدّ من التبرّي، بل ربما يقدم على التولّي إذ هو من التخلية والتولّي من التحلية ، وتخلية القلب من الصفات الذميمة مقدّمة ـ كما عند علماء الأخلاق ـ على تحلية القلب بالصفات الحميدة ـ كما يشهد بذلك الوجدان ، فإنّ الإناء إنّما يملأ بالماء بعد فراغ الهواء منه ـ فلا بدّ من تطهير القلب وخلائه من محبّة أعداء الله وأعداء رسوله وعترته ، بل لا بدّ من بغضهم والتبرّي منهم(1) .

ومنه نعرف لا يمكن لاي انسان ان يؤمن بفكرة ويؤمن بضدّها ، الّا ان يكون عديم الفطرة، فمسالة الولاية والبراءة مسألة وجدانية وجوانحية وجوارحية وفطرة مودعة لدى الانسان لاتختلف ولا تتخلف من حيث الاصل اما مصاديقها قد وقع الخلاف فيها.

والذي يحدد ويعرف ويشخّص مصداقها يجب اتصاله بالسماء ولا يكون ذلك الا للمعصوم فبعد التسليم بالاصل يأتي الكلام حول الولاية والبراءة لانه من اصول الدين وهي من الفروع ولايمكن الايمان بالفرع الا بعد التسليم بالاصل ولانه مترتب عن الاصل اذا كان كذلك فمرجع تشخيص مصاديقهما راجع للشرع ،والشرع تقرر في محله إنه ثبت بالعقل كي لا يستلزم الدور او التسلسل .

فالولاء لله ورسوله واهل بيته ، صلوات الله عليهم والبراءة من اعدائهم حسنٌ ، وعدمهما قبيحٌ .

  اذن الولاية والبراءة دين نتقرب به الى الله ونقترب به الى الامام ومعرفته ولا يتم ذلك الا بولايتهم و هو الجناح الاول الذي به تصعد و ترتقي بنفسك بالتقرب منهم عليهم السلام فان التقرب منهم بلا شك هو التقرب الى الله تعالى فهو امرنا بذلك بقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} النساء(59)( قال رسول الله ـ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم «إني تارك فيكم ما إنْ تمسّكتم به لنْ تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» (2)) فبدون الولاية لا يمكن ان تعرف الله تعالى (ورد في الخبرعن سيّد الشهداء عليه السلام قال: (أيّها الناس !.. إنّ الله جلّ ذكره ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه ، فقال له رجلٌ : يابن رسول الله !.. بأبي أنت وأمّي فما معرفة الله ؟.. قال : معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته) ولا يتم الولاء لهم الا بعد البراءة من اعدائهم كما مرَّ.

 الكاتب / السيد رعد عبد زيد العلوي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقتبس من كلام السيد عادل العلوي صحيح الترمذي 15|621.

gate.attachment