الشبهة : لماذا بعث جميع الأنبياء في منطقة جغرافية معينة ؟

إذا كانت الحكمة الإلهية تقتضي بعثة الأنبياء لهداية الناس جميعاً إذاً لماذا بعث جميع الأنبياء في منطقة جغرافية معينة (الشرق الأوسط) بينما بقيت المناطق الأخرى من المعمورة محرومة من هذه النعمة؟

وخاصة مع الأخذ بنظر الاعتبار محدودية وسائل النقل والإعلام والارتباط وتبادل المعلومات في الأزمنة القديمة بحيث كانت الأخبار تنتقل بصعوبة ومشقة من منطقة لأخرى، وربما وجدت شعوب كانت - آنذاك - محرومة تماماً من رسالات الأنبياء، ولم تطلع على دعوتهم ؟

والجواب عن هذه الشبهة:

أولاً: إن ظهور الأنبياء( عليهم السلام ) لم يختص بمنطقة خاصة، والآيات القرآنية الكريمة تدل على أنه كان لكل قوم وأمة نبي، كما في الآية (24) من سورة فاطر: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ).

والأية (36) من سورة النحل: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ).

وإذ ذكرت في القرآن المجيد أسماء بعض الأنبياء العظام (عليهم السلام) دون أن يذكر غيرهم، فلا يعني ذلك أن عددهم منحصر بهؤلاء المذكورين، بل إن القرآن نفسه يصرح بوجود أنبياء كثيرين لم تذكر أسماؤهم في هذا الكتاب الشريف، كما في الآية (164) من سورة النساء(وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ).

ثانياً: إن البرهان المذكور لضرورة الوحي يفرض وجود طريق آخر - غير الحس والعقل - يمكن الإفادة منه في هداية الناس، وأما حصول الهداية للأفراد فعلاً فمشروط بشروطين:

أحدهما - اختيارهم الإفادة والتزود من هذه النعمة الإلهية.

ثانيهما - أن لا يضع الآخرون موانع وعقبات في طريق هدايتهم، والملاحظ أن حرمان كثير من هداية الأنبياء إنما نشأ من سوء اختيارهم، أو نتيجة للموانع التي وضعها الآخرون في طريق رسالة الأنبياء و انتشارها، ونحن نعلم أن الأنبياء قد بذلوا أقصى جهودهم في إزالة هذه الموانع والعقبات، واندفعوا لمكافحة أعداء الله، وخاصة المستكبرين والجبابرة.

وقد ضحى كثير منهم بأرواحهم في سبيل إبلاغ الرسالة الإلهية وهداية الناس، وحين كانوا يجدون أنصاراً لهم وأتباعاً كانوا يشنون الحرب العسكرية ضد الجبابرة والطواغيت والجائرين، والذين كانوا من أكبر العقبات والحواجز في سبيل نشر الدين الإلهي.

والملاحظة التي يجدر التأكيد عليها أن هذه الخصوصية وهي (اختيارية المسيرة التكاملية للإنسان) تفرض أن تتم كل هذه القضايا والمواقف بالصورة التي تبقى معها الأجواء التي يلزم توفرها للاختيار الحسن أو السيئ لأحد الاتجاهين: (الحق والباطل) إلا أن تصل سيطرة الجبابرة وأهل الباطل وتحكمهم إلى مرحلة يسد معها تماماً طريق الهداية أمام الآخرين، ويطفأ نور الحق والهداية في الأمة، وفي هذه الحالة فإن الله سيمد يد المعونة لأنصار الحق، ويوصل إليهم المدد من طرق غيبية وغير عادية.

والحاصل أنه لو لم توجد مثل هذه الموانع والعقبات في طريق الأنبياء؛ لوصلت دعوتهم إلى أسماع البشر جميعاً في العالم، ولتزودوا قاطبة من نعم الهداية الإلهية عن طريق الوحي والنبوة.

إذاً فحرمان كثير من الناس من هداية الأنبياء يقع على عاتق أولئك الذين حالوا دون انتشار رسالتهم، ووقفوا حجر عثرة في طريق دعوتهم.

 من كتاب / دروس في العقيدة الاسلامية .

للكاتب / محمد تقي مصباح اليزدي

gate.attachment