علـي بـن يقطيـن واثره الفكري والسياسي في العصر العباسي الاول

أ. حمدية صالح الجبوري

على الرغم من إن الأئمة (عليهم السلام) حرصوا قدر الإمكان على الابتعاد عن المناصب التي تكون على تماس مباشر مع السلطة سواء كانت أموية أم عباسية إلا انه لكل قاعدة شواذها لا سيما إن كانت هي الأفضل وليست هي الأسوء؛ لذلك سوف نتطرق في هذا البحث إلى احدى الشخصيات التي عرفت بميولها الشيعية الشديدة وفي الوقت نفسه وجودها في أكثر المناصب حساسية في البلاط العباسي وهو منصب الوزارة في حكومة هارون الرشيد، ألا وهي شخصية علي بن يقطين أبو الحسن الكوفي ذلك الإنسان الذي سخر ذاته لخدمة المجتمع على الرغم من المحاولات التي لا تحصى للإيقاع به، لكن عناية الإمام الكاظم (ع) ودعمه له جعلت جميع تلك المحاولات تبوء بالفشل، وقد حاول مراراً التخلص من منصبه ذلك إلا إن الإمام كان يردعه عن الإقدام على هذه الفكرة ؛لما فيه خير الأمة وصلاحها وفي الوقت نفسه ضمن له ثلاث نقاط من أهم ما تكون وهي أن لا يمسه حر الحديد أو الفقر أو المرض، بشرط أن يخدم المجتمع ولا يبخل بأي جهد يمكن بذله  لخدمة إخوانه المسلمين  ، وفعلاً التزم ابن يقطين بوصية إمامه ولم يتمكن الرشيد من القبض عليه طيلة مدة حياته  البالغة (ثمان وخمسون) سنة على الرغم من جهات التجسس المكثفة التي كانت محيطة به.

المبحث الاول :التوجهات العلوية لوزراء البلاط العباسي

  أثرت حركات الشيعة التي شهدها العصر العباسي الأول في موقف الوزراء العباسيين على كلٍ من البيت العلوي والدولة العباسية، كما أثرت بالتالي في موقف الخلفاء العباسيين من وزراءهم، فقد أبدى كثير من الوزراء العباسيين ميولاً صريحة أو خفية نحو الزعماء العلويين مما أدى إلى تشكيك الخلفاء بهم(1).

كان من الطبيعي وقد قامت الدولة العباسية باسناد من العنصر الفارسي أن يسيطر هذا العنصر سيطرة شاملة على شؤون الدولة وعلى كل مناحي الحياة، فكان معظم وزراء الخلفاء العباسيين من الفرس أمثال أبو سلمه الخلال، وأبو أيوب المورياني، ويعقوب بن داود بالإضافة إلى البرامكة والفضل بن سهل(2).

من المعروف أن معظم الفرس عرفوا بتشيعهم ومحاولتهم سحب بلاط الخلافة من أيدي العباسيين إلى الدولة الفارسية، فكان أبو سلمه الخلال أول من وضع عليه اسم الوزير، واشتهر بالوزارة في دولة بني العباس، ولم يكن قبله من يكن يعرف بهذا النعت لا في دولة بني أمية ولا في غيرها من الدول. وقد أطلق عليه الخليفة اسم (وزير آل محمد)، وقد أبدى ميولاً واضحة لبيت العلويين إذ بعث بثلاث رسائل إلى ثلاثة من الزعماء العلويين يعرض عليهم الدعوة لهم، ولكنهم رفضوا قبول دعوته(3).

وبعد تولي الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور الذي استبد بالملك والذي ظلت الوزارة في عهده اسم على غير مسمى وذلك لاستبداده وبطشه، ولهذا السبب اتسمت الإدارة العباسية في العصر العباسي الأول بالمركزية الشديدة وكانت هيبته تصغر لها هيبة الوزراء فكانوا ما يزالون على وجل منه وخوف فلا يظهر لهم أبهة ولا رونقاً.ويبدو أن المنصور أراد تقيد سلطة الوزراء وقتل كل من شك فيهم فكان الخلال في مقدمة هؤلاء(4).

ومن الوزراء العباسيين الذين اتهمهم الخلفاء العباسيين بالتشيع والميل إلى العلويين بعد أبي سلمه "يعقوب بن داود بن طهمان" مولى بني سليم وكان هذا شيعياً على مذهب الزيدية وعند توليته الوزارة ولى كثيراً من رجال الشيعة في الولايات والمناصب الكبرى إذ كان يرغب في قيام دولة علوية(5).

وكان ليعقوب مكانه كبيرة لدى الخليفة الأمر الذي أدى إلى ازدياد حسادة، والحاقدين عليه ولم تكن عليه مثلبة سوى ميوله الشيعية للخلاص منه، فوصلت الأنباء أن يعقوب يرغب في إنشاء دولة علوية وانه على اتصال بشخصيات علوية عديدة أهمها دفع المهدي إلى محاولة اختياره فأرسل إليه جارية وظيفتها التجسس عليه ودفع إليه احد السجناء العلويين فأطلق يعقوب سراحه وعندما سأله المهدي عنه اخبره بأنه مات واستحلفه على ذلك فاقسم يعقوب بذلك فأمر المهدي بإيداعه السجن حتى فقد بصره وبقى هناك حتى تولى الرشيد الخلافة سنة (170هـ) فأطلق سراحه(6).ولذلك لم يمنح منصب الوزارة إلا لمن وجد فيه الإخلاص للبيت العباسي ويتم التأكد من ميوله.

أما في عهد الرشيد فقد كانت هنالك موجة انفتاح في عهده أكثر من بقية الخلفاء فبدأ عهده بتولي البرامكة للوزارة وفوّض إليهم السلطة في تيسير شؤون الحكم وإدارة البلاد باسمه فأرادت سلطاتهم وعلا نفوذهم حتى بدأوا يتجاوزون حدودهم الوظيفية تدريجياً مما حدا بالرشيد إلى قتلهم(7).

وقد أشار الجهشياري إلى إن من الأسباب التي أدت إلى تنكيل الرشيد بوزرائه البرامكة هو ميولهم العلوية التي عرفوا بها ومن ذلك ما قام به يحيى البرمكي* من إمداده ليحيى بن عبد الله العلوي** بمئتي ألف دينار في اثناء ثورته في بلاد الديلم(8).

كما قام ابنه موسى بن يحيى البرمكي بتحريض أهل خراسان على نبذ الطاعة وإبطال الخلافة ومما يزيد هذه الاتهامات تأكيداً أن جد هذه الأسرة (خالد بن برمك) يعتبر من كبار الشيعة(9).

وفي حقيقة الأمر لم تكن هذه الميول صادقة كونهم سعوا قدر الإمكان إلى إفساد العلاقات بين العباسيين والعلويين إذ كان السبب سعي يحيى بن خالد بموسى بن جعفر(عليه السلام) وضع الرشيد ابنه محمد (الأمين) بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد الأشعث، فساء ذلك يحيى(10).

كل ذلك دفع الرشيد إلى الحذر من الوزراء والتدقيق في أمرهم قدر الإمكان ومحاولة التعتيم على العنصر الشيعي وعلى مسالة الإمامة حتى تمكن احد أفراد الشيعة من التوصل إلى هذا المنصب من غيران يشعر الرشيد به على الرغم من دقة الجهاز الامني في عصره وهذا الشخص كان " علي بن يقطين".

المبحث الثاني :علي بن يقطين النشأة والمكانة العلمية

 نسبه:

هو علي بن يقطين بن موسى البغدادي (أبو الحسن)( 11)، كوفي الأصل، مولى بني أسد( 12)، ومن وجوه هذه الطائفة وأعيانها كانت له منزلة سامية عند الأمام أبي الحسن موسى (عليه الــسلام) (13 ).

         ولادته و نشأته:

ولد علي بن يقطين في الكوفة(14 )، وقد اختلف المؤرخون في يوم ولادته فبين قائل: ( 15) أنه ولد سنة 120هـ، وبين قائل(16 ): أنه ولد سنة 121هـ، وذُكِر(17 )أن سنة ولادته هي 124هـ.

   لكن أدق ما قيل في تاريخ ولادتـه هو الرأي الأخير ،أي: سنـة 124هـ لا سيما وان المصادر قد  ذكـرت انه عاش من العمـر (58) سنــــة(18)، إذ توفي في سنة (182هـ)(19 ) وبذلك يكون تاريخ ميلاده هو سنة 124هـ .

أما عن نشأته فقد نشأ بالكوفة( 20)، وبها ترعرع، وكان قبل ذلك يبيع الابزار وهي التوابل(21 )،وكان أبوه يقطين من أنصار العباسيين الكبار، لذلك كان مطارد من قبل مروان الحمار الخليفة الأموي لاعتقاله فاختفى عنه(22 ) ورحلت زوجة يقطين إلى المدينة برفقة ابنيها علي وعبيد في غيابه، ورجع يقطين بعد انهيار الحكم الأموي وظهور العباسيين إلى الكوفة وانضم إلى أبي العباس السفاح، والتحقت به زوجته مع ابنيهما، وعلى أية حال تربى علي بن يقطين في الكوفة وأصبح من أصحاب الإمام السابع(23 ).

فضائله:

تحلى علي بن يقطين بجملة من الصفات الكريمة إذ اجتمعت في شخصيته كل عناصر الفضل والعفة التي لا يسعنا الإحاطة بها ، ولكن هذا لا يمنع أن نشير إلى جملة من مكارم أخلاقه التي تجلت في صور من سلوكه، فقد عرف علي ببره وإحسانه إذ انفق أموالاً ضخمة في وجوه البر و الإحسان وأوصل الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) بصلات كبيرة تتراوح ما بين المئة ألف درهم إلى ثلاث مئة ألف درهم( 24) وزوج ثلاث أو أربع من أولاد الأمام(عليه السلام)، وكان المهر الذي دفعه لهم عشرة ألاف درهم، كما دفع ثلاثة ألاف للوليمة( 25). فضلاًعن انه كان يعيل بعض اسر الشيعة فقد قام بنفقة الكاهلي* واسرته حتى توفي.

وما يضاف أيضاً إلى سلسلة مكارمه(26) انه ذات يوم كان صديقاً لأبي العتاهية وكان يبره في كل سنة ببر واسع فأبطأ عليه في سنة من السنين وكان إذا لقيه أبو العتاهية أو دخل عليه يُسَر به ويرفع مجلسه ولا يزيده على ذلك، فلقيه ذات يوم وهو يريد دار الخليفة فاستوقفه فوقف له فانشد:

            حتى متى ليت شعري يا ابن يقطيـن

                                               اثني عليك بمال منك تولينـي

           إن السلام وإن البشر مـن رجـــل

                                              في مثل ما أنت فيه ليس يكفينـي

           هـذا زمان ألـحَّ الناس فيـه علــى

                                              تيه الملوك وأخلاق المساكيــن

             أما علمـت جـزاك الله صالحــةً

                                              وزادك الله فضلاً يا ابن يقطيــن

             إني أريدك للدنـيا وعاجلـــها

                                               ولا أريـدك يـوم الديـن للديــن(27)

 

فقال علي بن يقطين:(( لست والله ابرح ولا تبرح من موضعنا هذا إلا راضياً))(28)، وأمر له بما كان يبعث به إليه فحمل من وقته وعلي واقف إلى أن تسلمه وقال:

  يا ليت شعري ما يكون جوابـي         أما الرسول فقد مضى بكتابـي

     جاء الرسول ووجهه متهلهــلاً          يقرا السلام علي من أحبابــي(29)

أما في مجال العبادة فقد عرف بشدة عبادته وورعه وتقواه وزهده، فقد ذكر بعضهم انه أحصى لعلي بن يقطين سنة في الموقف مئة وخمسون ملبياً(30 )، فضلاً عن ذلك فقد كان يرسل في كل عام عدة إلى الحج نيابةً عنه، وكان يدفع إلى كل منهم عشرة إلى عشرين ألف درهم، وكان يبلغ عدد المبعوثين في العام 150 شخصاً وأحياناً (250 – 300) شخصاً (46 ).

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى ورع هذه الشخصية وإيمانها تلك التي سخرت ذاتها لخدمة المجتمع، غير إن التدقيق في عدد هؤلاء المبعوثين ونظراً للمبالغ الكبيرة التي كانت تدفع إليهم تعطي عمقاً أكبر لهذا الموضوع،ولو أخذنا عدد المبعوثين و المبالغ التي تدفع إليهم بشكل متوسط واعتبرنا عددهم 200 شخص في السنة مثلاً ولكل واحد عشرة ألاف ، لكان مجموع المبلغ المدفوع إليهم قرابة المليوني درهم،هذا من ناحية ومن ناحيةٍ أخرى فكان المبلغ الذي يدفع في كل عام هو قسمة من مؤونة علي السنوية، والفائض من مصارفه بعد دفع الحقوق الشرعية كالزكاة والخمس والصدقات المستحبة والهبات وغيرها، وعليه كم تكون إيرادات علي بن يقطين السنوية حتى تكفي لكل ذلك؟

ويبدو إن احد العلماء قد تنبه إلى هذه الفقرة وبينها بهذا النحو:(( ظني إن الإمام الكاظم (عليه السلام) قد أحل التصرف في الخراج وان علي بن يقطين جعل أجر الحج وسيلة لدفع هذا المال إلى الشيعة الأطهار لئلا يطعن عليه أعداؤه ))( 32).ومما يؤيد هذا الأمر وجود شخصيات كبيرة كعبد الرحمن بن الحجاج*وعبد الله بن يحيى الكاهلي وهما من أصحاب الأمام ومقربيه ومن المغضوب عليهم من قبل السلطة(33 )،وما يمكن ملاحظته في خطة علي بن يقطين هذه هو إشراك الشيعة لا سيما شيوخهم في موسم الحج بدافع التعريف بالمذهب الشيعي والمناظرة مع الفرق الدينية الأخرى وإيجاد موجة ثقافيةٍ شيعيةٍ.

مكانته العلمية:

ركّز الإمام الكاظم(عليه السلام) في تربيته للجماعة الصالحة على ضرورة الانتماء الفكري المعرفي لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وتحرك الإمام(عليه السلام) بهذا الاتّجاه مستغلاً للنهضة الفكرية التي حقّقها الإمام الصادق(عليه السلام) من قبل، فقام بإكمال عمل أبيه في بناء الكادر المتخصص فامتدّت قواعده من هذا النوع حتى ذكر له ( 319 ) صحابياً(34) كل منهم تلقى العلم والمعرفة من الإمام الكاظم(عليه السلام)، وقد خضعت هذه الجماعة بانتمائها الفكري إلى نظام متقن يمكنه مواجهة التحديات الثقافية والفقهية والإبداع في ميدانها الخاص..

وقد امتاز علي بن يقطين بمكانة علمية متميزة يشهد له بذلك علماء علم الرجال( 35) إذ كان من أصحاب وتلامذة الإمام السابع البارزين وأفاد منه الكثير وروي عنه الكثير من الروايات، غير انه لم ينقل عن الإمام الصادق سوى رواية واحدة(36 )، ومن صفاته الأخرى انه كان ذائع الصيت وذا شخصية اجتماعية مرموقة ،فضلاً عن انه كان يعد من العلماء ورجال العلم في عصره، وله عدة مؤلفات(37 ) هي:

ما سُئِل عنه الإمام الصادق من الملاحم/ وعلى ما يبدو إن علي بن يقطين لم يكن هو السائل بل    الجامع لأسئلة طرقت على الإمام الصادق(عليه السلام)، بدليل انه لم يروِ عنه سوى رواية واحدة( 38). مناظرة الشاك بحضرته. مسائل تعلمها من الإمام الكاظم (عليه السلام)(39).

قدم علي بن يقطين وبسبب ما يتمتع به من موقع اجتماعي وسياسي خدمات قيمة للشيعة، وكان ملاذاً للشيعة.

رواياته:

اهتم علي بن يقطين بجمع الحديث عن الأئمة (عليهم السلام)، إذ عرف بكثرة رواياته (40 ) عن العديد من الرواة وروي الكثير عنه( 41)، وضمن أبواب عديدة منها(42): باب الزكاة والذهب والطواف وأخرى في استعمال فضل وضوء الحائض والجنب وسواهما، وباب عقود البيع والآجارات وفي باب الرجل يشتري المتاع، وفي باب الحج والطواف وكذلك في باب الأوصياء ويتضمن باب الوصية إلى مدرك وغير مدرك وفي باب انه يجوز أن يوصي إلى امرأه، ومن أوصى إلى مدرك وقد روي هذا الخبر بعينه بشكل مباشر عن علي بن يقطين عن الإمام الكاظم(عليه السلام). وهناك باب خاص للصلاة ويشتمل على صلاة السفر والزيارات وإتمام الصلاة في الحرمين وباب صلاة الجمعة.

كما نقل بعض الأسئلة الفقهية التي دارت بين الخلفاء والأئمة (عليهم السلام)(43) ومن ذلك ما روي عنه قال: (( سأل المهديُّ أبا الحسن (عليه السّلام) عن الخمر، هل هي محرّمة في كتاب الله عزّ وجلّ ؟ فإنّ الناس إنّما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها! فقال له أبو الحسن (عليه السّلام): بل هي محرّمة في كتاب الله عزّ وجلّ. فقال له: في أيّ موضع هي محرّمة في كتاب الله جلّ اسمه، يا أبا الحسن ؟ فقال: قول الله عزّ وجلّ } قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالإثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ{ (44) ، فأمّا قوله: (ما ظَهَرَ مِنْها) يعني الزنا المعلن ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية، وأمّا قوله عزّ وجلّ (وَما بَطَنَ)  يعني ما نُكح من الآباء، لأنّ الناس كانوا قبل أن يُبعث النبيّ صلّى الله عليه وآله إذا كان للرجل زوجةٌ ومات عنها تزوّجها ابنه من بعده، إذا لم تكن أُمَّه، فحرّم الله عز و جل ذلك.وأمّا الإثم، فإنّها الخمرة بعينها، وقد قال الله عزّ وجلّ في موضع                                        آخر:  }يَسْألونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فيهِما إثْمٌ كَبيرٌ وَمَنافِعُ لِلْنَّاسِ{ (45)  فأمّا الإثم في كتاب الله فهي الخمرة والميسر، وإثمهما أكبر كما قال الله تعالى.قال: فقال المهدي: يا علي بن يقطين! هذه والله فتوى هاشمية.قال: قلت له: صدقت والله يا أمير المؤمنين، الحمد لله الذي لم يُخرِج هذا العلم منكم أهل البيت. قال: فوالله ما صبر المهدي إلاّ أن قال لي: صدقت يا رافضي)) (46).

منزلته عند الإمام الكاظم (عليه السلام):

عرف علي بن يقطين بوثاقته(47 ) وجلالة قدره(48 ) وبلغ منزلة عظيمة عند الإمام أبي الحسن (عليه السلام)، كما كانت له مكانه عظيمة في الطائفة وعدََ من خواص الإمام الكاظم (49 ) والمتصلين به سراً(50 ).

وقد كان الإمام الكاظم يخصه بالدعاء بالجنة وحسن العاقبة (51) ي رحب به أجمل ترحيب ويستقبله أفضل استقبال، فقد روي أنه (عليه السلام) رأى يوماً علي مقبلاً فالتفت إلى أصحابه وقال (( من سره أن يرى رجلاً من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) فلينظر إلى هذا المقبل، فقال له رجل من القوم: هو إذن من أهل الجنة)) ولم يكن ذلك بمعزل عن خط الإمامة الذي كان يؤيده من آونة إلى أخرى بشكل مباشر أو غير مباشر ومن ذلك قوله (عليه السلام): (( إني استوهبت علي بن يقطين من ربي عز وجل البار  فوهبه لي، إن علي بن يقطين بذل ماله ومودته فكان لذلك منا مستوجباً))(52 ).

وزعمت إحدى نساء الشيعة أنها قالت لأبي الحسن الثاني (عليه السلام): ادع لعلي بن يقطين، فقال(( قد كفى علي بن يقطين))(53)، وقال أبو الحسن (عليه السلام) ((من سعادة علي بن يقطين إني ذكرته في الموقف)) .وزعم ابن أخي الكاهلي،أن أبا الحسن (عليه السلام) قال لعلي بن يقطين: ((اضمن لي الكاهلي وعياله اضمن لك الجنة)) (54).

وزعم ابن أخيه أن علياً لم يزل يجري عليهم الطعام والدراهم وجميع أبواب النفقات مستغنين في ذلك حتى مات أهل الكاهلي كلهم وقرابته وجيرانه،وقال أبو الحسن (عليه السلام): ((إن لله مع كل طاغية وزير من أولياءه يدفع به عنهم دعوة أبي عبد الله (عليه السلام) علي بن قطين وما ولد: فقال: ليس إذ تذهب، أما علمت إن المؤمن في صلب الكافر بمنزلة الحصاة يكون في المزبلة يصيبها المطر فيغسلها ولا يضر الحصاة شيئا))(55).

وعلى ما يبدو أن علياً كان مؤهلاً وبشكل كامل من أن يحظى بهذا التقدير والاهتمام وهذا ما يؤيده لنا أحد الشيعة بقوله:(( رأيت العبد الصالح(عليه السلام) على الصفا يقول: الهي في أعلى عليين اغفر لعلي بن يقطين)) ، بل بلغ من رفعة الشأن أن يكون دائماً في مخيلة الإمام فقد ورد عن داود  الرقي – أحد أصحاب الإمام الكاظم– قال: ((دخلت على الإمام أبي الحسن (عليه السلام) يوم النحر، فقال مبتدءاً: ما عرض على قلبي أحد وأنا على الموقف إلا علي بن يقطين فانه ما زال معي وما فارقني حتى أفضت))(56).

وغير ذلك من الأقوال المستفيضة التي تدل على جلالته وعلو منزلته(57 )، وبقي على هذه الحال حتى توفي رحمه الله وهو من الأصحاب الخلص للإمام(عليه السلام) فقد ذكر عنه(عليه السلام) قوله:(( أما أن علي بن يقطين مضى وصاحبه عنه راضٍ))(58 ).

المبحث الثالث:وزارة علي بن يقطين

موقف هارون الرشيد من العلويين

مر العلويون بظروف استثنائية في عصر هارون الرشيد إذ كانت الأوضاع تتراوح ما بين مد وجزر في عصر من سبقه إلا إن الرشيد بالغ في شدة تعامله مع العلويين، إذ كان شديد العداء والحقد عليهم وقد أقسم عندما تولّى الخلافة على استئصالهم وقتلهم فقال: ((والله لاقتلنّهم ـ أي العلويين ـ ولأقتلنّ شيعتهم ))(59)وفعلا ًنفّذ قسمه بقتل طائفة كبيرة من أعلام العلويين هم خيرة المسلمين علماً وورعاً في الدين ومن ذلك ما رواه عبد الله البزاز النيسابوري-الذي كان احد رجال الرشيد -:من انه أُمر بقطع ستين رأساً علوياً في يوم واحد (60).

وعندما لاحظ الرشيد جماهير غفيرة من الأمة الإسلامية تتهافت على زيارة مرقد الامام الحسين(عليه السلام) قام بهدم الدور المجاورة له، واقتلاع السدرة التي كانت إلى جانب القبر الشريف كما أمر بحرث أرض كربلاء؛ ليمحو بذلك كلّ أثر للقبر المطهر، وقد انتقم الله منه حيث لم يدُر عليه الحول حتى هلك في خراسان(61) .

حدود العمل مع السلطة الجائرة:

 من المعروف إن أئمة أهل البيت (عليه السلام) كانوا قد حرموا على أتباعهم بشكل قاطع، أي درجة من التعاون مع الظالمين سواء في تقديم الخدمات العامة التي تساهم في توطيد دعائم سلطانهم أو التي تؤدي إلى القبول به أو تقديم العون لهم في ظلمهم وجورهم أو تسلم الأعمال ذات العلاقة بالسلطة والولاية،فعن علي بن يقطين قال: (( قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) إن لله تبارك وتعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أولياءه))(62). وثمّة موقف آخر أعرب فيه الإمام الكاظم (عليه السلام) عن نقمته وسخطه الشديدين على حكومة هارون، من خلال دعوته إلى حرمة التعاون معهم بأيّ لونٍ كان، وقد منع (عليه السّلام ) الركون إليهم مستشهداً بقوله تعالى }: وَلا تَرْكَنوا إلى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النَّار{ (63)ُ، فحرّم (عليه السّلام ) على المسلمين الميلَ إليهم، وأكّد على ضرورة مقاطعتهم حتّى لو كان ذلك مستنداً إلى التخلّي عن بعض المصالح الشخصية، كما حذّر أصحابه من الدخول في أجهزة الدولة أو قبول أيّ وظيفة من وظائفها أو الانضمام إلى أجهزتها؛ ويتّضح ذلك في موقفه من زياد بن أبي سلمه فعن زياد بن أبي سلمه قال: (( دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) فقال لي: يا زياد انك لتعمل عمل السلطان ؟ قال : قلت اجل قال لي: ولم؟ قلت: أنا رجل لي مروة وليّ عيال وليس وراء ظهري شيء فقال لي: يا زياد لئن اسقط من حالق* فأتقطع قطعة قطعة أحب لي من إن آت أتولى لأحد منهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم إلا لماذا؟ قلت: لا ادري جعلت فداك قال: إلا لتفريج كربة عن مؤمن أو فك أسره أو قضاء دينه، يا زياد إن أهون ما يصنع الله جلّ وعز بمن تولى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق** من نار إلا إن يفرغ الله من حساب الخلائق يا زياد فان وليت شيء من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك فواحدة بواحدة))(64) ويبدو من خلال بعض النصوص أن هذا العمل لا بد وان يكون بإذن خاص من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أومن الحاكم الشرعي الذي يتولى شؤون الجماعة لئلا يصبح هذا الإذن مفتوحاً أمام الاجتهادات الخاصة والنزوات الشخصية أو فرصة للانزلاق في هذا العمل المحظور وتعرض أفراد الجماعة للانحراف بسبب ذلك، فعن الحسن بن الحسين الانباري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: (( كتبت إليه أربع عشر سنة استأذنه في عمل السلطان فلما كان في آخر كتاب كتبته إليه ذكرت إني أخاف على خيط عنقي وان السلطان يقول لي: انك رافضي ولسنا نشك انك تركت العمل للسلطان للرفض فكتب إلي أبو الحسن(عليه السلام) فهمت كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك فان كنت تعلم انك إذا وليت عملك بما أمر به رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثم تصير أعوانك وكتابك أهل ملتك وإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين حتى تكون واحداً منهم كان ذا بذاء وإلا فلا))(65). كما كان أئمة أهل البيت يقومون بتسديد هؤلاء الأشخاص في عملهم – أحياناً – ويحرصون على عدم كشف هويتهم كما هو الحال في المرحلة التي كان الإمام الكاظم (عليه السلام) يعيش فيها أو في المراحل المماثلة لها، فمن الواضح إن السلبية المطلقة قد تعطل الكثير من مصالح المؤمنين المستضعفين، وتتحول إلى مشكلة معقدة كبيرة، لا سيما إذا كانت الظروف الموضوعية لا تسمح بسقوط هذا الحكم على مستوى المراحل المنظورة، وفي الوقت الذي يسيطر فيه على مقدرات الواقع الحياتي كله، مما يستوجب الحرج الشديد عليهم، وهو منفي في الشريعة في قوله تعالى: } وما جعل عليكم في الدين من حرج{ (66).

وهذا هو الذي يجعلنا نستوحي سعة مجال الرخصة للعمل مع السلطة الجائرة، وإيجاد العلاقات معها من اجل القضايا العامة المتصلة بحياة المؤمنين المستضعفين أو القضايا الخاصة المرتبطة ببعضهم، والتي ترقى إلى مستوى الأهمية في حياتهم .

إن الإمام (عليه السلام) يحاول قدر الإمكان توصية شيعته حسب حاجة الواقع الموجود لإكمال بناء هذه الجماعة الصالحة باتجاه الأهداف النهائية التي رسمها أهل البيت (عليهم السلام) لها، فمن هنا نجد أن الإمام (عليه السلام) يتابع شيعته ويحرص على تكامل بناء هذه الجماعة وأفرادها فيقوم بتطبيق ما يدعو إليه عملياً لتشكل خطواته نموذجاً ومناراً يهتدي به أبناء مدرسته ومن ذلك موقفه (عليه السلام) من علي بن يقطين عندما أراد احد المؤمنين أن يدخل إليه فلم يأذن له لنلاحظ إن الإمام عبر له بكلمة (أخاك) ليؤكد أن وجودك يا علي في هذا المنصب هو لخدمة هؤلاء لا لشيء ومن هنا أذن له الإمام بالبقاء بل أمره بالبقاء عندما أراد أن يعتزل من هذا الموقع، فعن محمد بن علي الصوفي قال: استأذن إبراهيم الجمال على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه فحج علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن  بالمدينة على مولانا موسى ابن جعفر (عليه السلام) فحجبه فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين:(( ياسيدي ما ذنبي؟ فقال (عليه السلام): حجبتك لأنك حجبت أخاك إبراهيم الجمال وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمال……….))(67).

ولقد كان الأئمة(عليهم السلام) بعد مرحلة أمير المؤمنين، والحسن ،والحسين(عليهم السلام)، يرون أنَّ الأسلوب العمليّ الذي ينسجم مع المرحلة المعاصرة لهم، هو أسلوب التوعية الروحية والثقافية والتعبئة السياسيّة المتحرّكة في خطِّ تكوين القاعدة الإسلامية الرافضة للانحراف في مستوى الواقع، ولذلك كان كلُّ جهدهم هو تكوين هذه القاعدة الشعبيّة المعارضة وحمايتها من أيِّ اهتزاز أو ضغط أو انفعال، وغير ذلك من الأوضاع التي تعرّضها للخطر.

فكانت التقيّة بأساليبها المتعدّدة الوسيلة الحركيّة المتنوّعة لحماية القاعدة ورعاية الخطّ، في المحاولة التي تتسامح فيها في التفاصيل للحفاظ على المبدأ، وتتغاضى فيها عن الفروع للمحافظة على الأصول في خطّة مدروسة لا تسمح بالانحراف أو بإيقاع الفساد في الدين.

الجانب السياسي:

اختُرق النظام السياسي لهارون الرشيد على يد الأولياء للإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وبعلم من الإمام، إذ تمكن ابن يقطين من الاستدراج في مناصب الدولة عن طريق والده الذي كانت له منزله سامية عند الدولة العباسية اول امرها إذ كان داعياً لهم (68) ، فكان لعلي بن يقطين فوق تلك المنزلة أيام الخلفاء المهدي والهادي والرشيد فاتخذه الأخير وزيراً له وفي الوقت نفسه كان الإمام يسدد خطاه إذ قال فيه: ((يا علي إن لله أولياء مع أولياء الظلمة يدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي))( 69) ، ونستنتج من إبقاء الامام الكاظم (عليه السلام) لعلي بن يقطين في وظيفته في السلطة العباسية ضرورة التوقر في اختيار بعض الشخصيات الموثوقة التي تملك الكفاءة والأمانة الدينية للدخول في مركز النفوذ الرسمي في الدولة الظالمة أو المنحرفة، وذلك من اجل المصالح الإسلامية على مستوى حماية الإسلام والمسلمين أو التيارات الإسلامية الفعالة، لان وجودها في هذه المواقع يحفظ الكثير من الأوضاع والمواقف ويحقق الكثير من الايجابيات على أكثر من صعيد.واستطاع بفضل مباركة الإمام له أن ينجز الأعمال المطلوبة منه وان يستمر في عمله في الوقت الذي بقى فيه على عقيدته، بل على دعمه للإمام مالياً وتزويده بالأخبار والمعلومات التي تنفعه وتنفع الشيعة في اتقاء مطاردة السلطات.

لكن بقي أن يحرز على الثقة المطلقة للبلاط، فلا يكفي أن يكون مرضياً عنه عند الإمام ليكون قادراً على انجاز مهماته، إذ أنها ترتبط بالحكومة و البلاط. وما لم يحز على الثقة المطلقة فانه لن يكون قادراً، فماذا يصنع لكي يحصل عليها، إن مثل هذه الشخصية عرضة للوشايات من قبل أعداء أهل البيت إذ لم يسكنوا وهم يرون من يتبع الأئمة ويواليهم يتولى أحد اخطر المناصب في الدولة(70)، وكذلك من قبل ذوي الطموح الشخصي والباحثين عن المال العاجل من السعاة والجواسيس. وهذا ما حدث لعلي بن يقطين وذلك :((إن الرشيد أهدى له ثياباً أكرمه بها وكان في جملتها دُرّاعة*خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب فأنفذ علي تلك الثياب إلى الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) وأنفذ في جملتها تلك الدُرّاعة وأضاف إليها مالاً كان عنده على رسم له فيما يحمله إليه من خمس ماله، فلما أرسل ذلك إلى أبي الحسن (عليه السلام) قبل المال والثياب ورد الدُرّاعة بيد الرسول إلى علي بن يقطين وكتب إليه احتفظ بها ولا تخرجها عن ذلك فيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه فارتاب علي بن يقطين بردها عليه ولم يدري ماسبب ذلك واحتفظ بالدُرّاعة)) وبعد مدة وجيزة حدثت بين ابن يقطين وغلامه بعض المشاكل فصرفه عن خدمته فحدث ان ذهب الغلام الى الرشيد ليقول ان ابن يقطين :(( يقول بإمامة موسى بن جعفر ويحمل إليه خمس ماله في كل سنة وقد حمل إليه الدُرّاعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا، فاستشاط الرشيد لذلك وغضب غضباً شديداً وقال: لاكشفن عن هذه الحال فان كان الأمر كما تقول أزهقت نفسه. وأنفذ في نفس الوقت بإحضار علي فلما مَثُلَ بين يديه قال له: ما فعلت بالدُرّاعة التي كسوتك بها، قال: هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم فيه طيب قد احتفظت بها كلما أصبحت إلا وفتحت السفط ونظرت إليها تبركاً بها وقبلتها ورددتها إلى موضعها وكلما أمسيت فعلت ذلك، فقال الرشيد: أحضرها الساعة، قال: نعم يا أمير المؤمنين واستدعى بعض خدمه فقال له: امضِ إلى البيت الفلاني من داري فخذ مفتاحه من خزانتي وافتحه ثم افتح الصندوق الفلاني فجئني بالسفط الذي فيه ختمه فلم يلبث الغلام أن جاء بالسفط المختوم فوضع بين يدي الرشيد فأمر بكسر ختمه وفتحه، فلما فتح نظر إلى الدُرّاعة فيه بحالها مطوية  مدفونة في الطيب فسكت الرشيد من غضبه وقال لعلي: (( ارددها إلى مكانها وانصرف الرشيد قائلاً فلن اصدق عليك بعدها ساعياً، وأمر أن يتبع بجائزة سنية وتقدم بضرب الساعي ألف سوط فضرب نحو خمسمائة سوط فمات في ذلك))( 71). وخرج ابن يقطين من هذا الامتحان بفضل تسديد الإمام له وقد تجاوز الخطر، إلا إن السعاة لم يكونوا ليقفوا عند حدهم، ولم يكن الإمام (عليه السلام) ليغفل عن تسديد وليه وتابعه، فمما روي أيضاً :((أن اختلف المسلمون في مسح الرجلين أهو من الأصابع إلى الكعبين أم من الكعبين إلى الأصابع فكتب بن يقطين إلى الإمام أبي الحسن موسى (عليه السلام) جعلت فداك إن أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين فان رأيت أن تكتب إليه بخطك ما يكون عملي بحسبه إن شاء الله فكتب إليه أبو الحسن(عليه السلام) فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، الذي أمرك به ذلك تمضمض ثلاثاً وتستنشق ثلاثاً وتغسل وجهك ثلاثاً وتخلل شعرك ولحيتك وتغسل يدك إلى المرفقين ثلاثاً وتمسح راسك كله وتمسح ظاهر أذنيك وباطنها وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً ولا تخالف ذلك إلى غيره ، فلما وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجب مما رسم له فيه مما أجمع العصابة على خلافه ثم قال: مولاي أعلم بما قال وإنما أنا ممتثل أوامره. فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد ولا يخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالاً لأمر أبي الحسن (عليه السلام) وسعى بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقيل له أنه رافضي مخالف لك: فقال الرشيد لبعض خاصته: كثر عندي القول في علي بن يقطين والفرق له بخلافنا وميله إلى الرفض ولست أرى له في خدمتنا تقصيراً وقد امتحنته مراراً فما ظاهرت منه على ما يقذف به، وأحب أن أستبريء أمره من إذ لا يشعر بذلك فيتحرز مني)) ، فقيل له إن الرافضة يا أمير المؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء فتخففه ولا ترى غسل الرجلين فامتحنه من إذ لا يعلم بالوقوف على وضوئه فقال: أجل إن هذا الوجه يظهر به أمره ثم تركه مدة وأناطه بشيء من الشغل في الدار حتى دخل وقت الصلاة وكان علي بن يقطين يخلو في الحجرة في الدار لوضوئه وصلاته فلما دخل وقت الصلاة دخل الرشيد من وراء حائط الحجرة إذ يرى علي وهو لا يراه، فدعا بالماء للوضوء فتمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً وغسل وجهه وخلل شعر لحيته وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ومسح رأسه وأذنيه وغسل رجليه والرشيد ينظر إليه فلما رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتى أشرف عليه فناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم انك من الرافضة وصلحت حاله عنده وورد عليه كتاب الإمام أبي الحسن (عليه السلام): ابتدئ من الآن يا علي بن يقطين فتوضأ كما أمر الله اغسل وجهك مرة فريضة وأخرى إسباغ واغسل يدك من المرفقين كذلك وامسح بمقدم راسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كان يخاف عليك والسلام))(72 ).

ونلاحظ في هذه الرواية عدّة أمور:

1 ـ إنَّ حركة التشيّع قد استطاعت أن تُدخل بعض أفرادها في عمق موقع الخلافة ليكون وزيراً للخليفة، مما يدلُّ على المرونة الواسعة في إمكانات الوصول إلى المواقع المميّزة في السلطة.

2 ـ إنَّ الشيعة كانوا يعملون للامتداد في مراكز السلطة الكبرى، بحيث إنّهم يستفيدون من أيّة حالةٍ تعاطف مع الخطِّ ألإمامي، ليؤكّدوا العمل على الارتباط بالإمام في عملية تثقيف وتوعية وانتماء، وهذا ما لاحظناه في مسالة الوضوء، وموقع الإمام الكاظم(عليه السلام) في مسألة الإمامة.

 3 ـ كانوا يعملون على الإيقاع به خوفاً من السلطة التي قد يحصل عليها في المستقبل من خلال علاقته بهارون الرشيد، وذلك من خلال نسبة التشيّع إليه، وعلاقته بموسى بن جعفر(عليه السلام) الذي كان الرشيد يخاف من موقعه الكبير في الأمّة فيما يعتقده فيه الشيعة من شرعية إمامته وتقديمهم حقوقهم الشرعيّة إليه، مما يُوحي بأنَّ المسألة تمثّل درجة كبيرةً من الخطورة، بحيث إنَّ علي كان يعتقد بأنَّ اقتناع الرشيد بذلك يكفي في قتله، فاستعدّ لذلك عند إرسال الرشيد خلفه. ونلاحظ أنَّ هذا الرجل كان واعياً لموقفه وموقعه، بعد أن عرف نوايا خصومه ضدّه، مما جعله يحتاط للمسألة في الأمور التي يمكن أن ينفذ منها الشكّ إليه، وهذا هو الذي جعله ينطلق أمام الرشيد في موقع القوّة في الموقف بعد ظهور كذب خصومه في قولهم، فطلب من الرشيد أن يمنحه الثقة المطلقة في المستقبل.

ويمكن القول: إن موقف الإمام كان عبارة عن نصيحة وتحذيرٍ بشكل غير مباشر من النتائج السلبيّة في ما يمكن أن ينتهي إليه موقفه من نتائج وخيمة، وقد يكون في الطريقة التي عالج بها الإمام ذلك، لون من ألوان الاحتياط باعتبار أنَّ مثل هذه الأمور قد توحي للخليفة بأنَّ الإمام يقف وراءها، كونه يمثّل الشخص الوحيد المؤهّل للخلافة عندما تبتعد عن بني العبّاس إلى أهل البيت من وُلْد عليّ(عليه السلام).

ومما يثير الاستغراب إن علياً لم يتعرض للوشايات في حقه من قبل أعداءه فحسب بل ومن أشخاص يعدّون على ولاء ال البيت، ومحور الوشايات إن علياً يقول بإمامة موسى بن جعفر ويرسل إليه بخمس ماله ويدين بأوامره، في حين إن محور التهمة كان في الاتجاه المخالف أي انه ربما يكون مع العباسين وان ذلك يخل بموقعه من جهة أهل البيت (عليهم السلام).

وعلى ما يبدو إن هذه التهمة إن دلت على شيء إنما تدل على  مدى حراجة موقف ابن يقطين فهو في الوقت الذي يقوم بخدمة الدين إلى أبعد حدوده يتعرض لهذه التهم باعتبارها مقابلاً، فقد ذكر إن رجلاً من خواص الشيعة يأتي إلى الإمام الكاظم (عليه السلام) قائلاً: (( يا ابن رسول الله ما أخوفني أن يكون علي بن يقطين ينافقك في إظهار وصيتك وإمامتك، فسأله الإمام: وكيف ذاك؟ قال: لأني حضرت معه اليوم في مجلس أحد الشيوخ فقال له صاحب المجلس: أنت تزعم أن موسى بن جعفر إمام دون هذا الخليفة القاعد على سريره؟ فقال له صاحبك هذا: ما أقول هذا بل زعم إن موسى ابن جعفر غير إمام، وان لم أكن اعتقد انه غير إمام فعلي وعلى من لم يعتقد ذلك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، قال صاحب المجلس: جزاك الله خيراً ولعن من وشى بك فقال له موسى بن جعفر (عليه السلام): ليس كما ظننت ولكن صاحبك افقه منك ، وإنما قال: موسى غير إمام، أي انه الذي غير إمام فموسى غيره، فهو إذن إمام فإنما اثبت بقوله هذا إمامتي ونفى إمامة غيري، يا عبد الله متى يزول عنك هذا الذي ظننته بأخيك؟ هذا من النفاق تب إلى الله))(73 ).

سرية المعلومات:

امتازت العلاقة بين الإمام، وعلي بن يقطين بدرجة عالية من الكتمان والسرية خوفاً من انقضاض الدولة العباسية على العنصر الشيعي ومن ذلك ما روي نصه: ((إن علي بن يقطين بعث إلى جماعة من الشيعة أموال وكتب إلى الإمام الكاظم (عليه السلام) فقال: اشتريا راحلتين وتجنبا الطريق حتى توصلا ما معكما من المال والكتب إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) ولا يعلم بكما احد، قالا: فأتينا الكوفة فاشترينا راحلتين وتزودنا زاداً وخرجنا نتجنب الطريق، حتى إذا صرنا بطن الرمة شددنا راحلتنا ووضعنا لها العلف وقعدنا نأكل، فبينا نحن كذلك إذا راكب قد اقبل ومعه شاكري، فلما قرب منا فإذا هو أبو الحسن (عليه السلام) فقمنا إليه وسلمنا عليه، ودفعنا إليه الكتب وما كان معنا، فاخرج من كمه كتباً فناولنا إياها، فقال: هذه جوابات كتبكم، فقلنا: أن زادنا قد فنا، فلو أذنت لنا فدخلنا المدينة فزرنا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) وتزودنا بزاد، فقال: هاتا ما معكما من الزاد، فأخرجنا الزاد فقلبه بيده، فقال: هذا يبلغكما إلى الكوفة، أما رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقد (رأيتماه) ، انصرفا في حفظ الله))(74).

ويبدو أن مسالة الكتمان من الأمور الأساسية التي يجب أن لا تمنح لأي شخص وان وجدت صلة قربى فعن ((علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي عن بعض مشايخه وذلك في حجة حجَّ الرشيد قبل هذه الحجّة، قال: لقيني علي بن إسماعيل ابن جعفر بن محمد، فقال لي: مالك قد أخملت نفسك، مالك لا تدبّر أمر الوزير؟ فقد أرسل إليّ فعادلته وطلبت الحوائج إليه.

وكان سبب ذلك، أنَّ يحيى بن خالد قال ليحيى بن أبي مريم: ألا تدلّني على رجلٍ من آل أبي طالب له رغبته في الدنيا فأوسّع له منها، قال: بلى، أدلّك على رجلٍ بهذه الصفة، وهو عليّ بن إسماعيل بن جعفر بن محمّد، فأرسل إليه يحيى فقال: أخبرني عن عمِّك وعن شيعته والمال الذي يُحمل إليه، فقال له: عندي الخبر، فسعى بعمِّه، فكان في سعايته أن قال: إنَّ من كثرة المال عنده أنَّه اشترى ضيعة تسمّى البشرية بثلاثين ألف دينار، فلما أحضر المال، قال البائع: لا أريد هذا النقد، أريد نقداً كذا وكذا، فأمر بها فصبّت في بيت ماله، وأخرج ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد ووزنه في ثمن الضيعة.. قال أبي: وكان موسى بن جعفر(عليه السلام) يأمر لعليّ بن إسماعيل بالمال ويثق به، حتى ربَّما خرج الكتاب منه إلى بعض شيعته بخطِّ عليِّ بن إسماعيل، ثم استوحش منه، فلما أراد الرشيد الرحلة إلى العراق، بلغ موسى بن جعفر أنَّ ابن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلى العراق، فأرسل إليه: مالك والخروج مع السلطان؟ قال: لأنَّ عليَّ ديناً، فقال: دينك عليَّ، قال: وتدبير عيالي؟ قال: أنا أكفيهم، فأبى إلاّ الخروج، فأرسل إليه مع أخيه محمد بن جعفر بثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم، فقال: اجعل هذا في جهازك ولا توتم ولدي))(75).

 وعن ((عليّ بن إبراهيم عن اليقطيني عن موسى بن القاسم البجلي عن عليِّ بن جعفر قال: جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد، وذكر لي أنَّ محمد بن جعفر دخل على هارون الرشيد، فسلّم عليه بالخلافة، ثم قال له: ما ظننتُ أنَّ في الأرض خليفتين حتى رأيت أخي موسى بن جعفر يُسلَّم عليه بالخلافة))(76).

ونلاحظ في هذه النصوص أموراً:

1 ـ إنَّ مواقع النفوذ العليا في سلطة الخلافة كانت تبحث عن العناصر القلقة في محيط الإمام الكاظم(عليه السلام)، لتوظّفها في سبيل إيصال المعلومات المخيفة للرشيد التي تؤكّد له خطورة موقع الإمام الكاظم(عليه السلام) بوصفه منافساً خطراً له في الخلافة، وقد استطاع الحصول على شخص عليّ بن إسماعيل بن جعفر (الصادق)، وهو ابن أخ الإمام الكاظم(عليه السلام) الذي كان يعيش عقدة داخليّة كبيرة، إذ لم ينفع إحسان الإمام إليه وتقريبه إلى خصوصيّاته ومواقع المسؤولية لديه، وَوَعْدُه إيّاه بكلِّ خير، ثم كان الشخص الآخر أخاه محمد بن جعفر (الصادق)، الذي فاجأ الرشيد بأنَّ الإمام الكاظم(عليه السلام) يتصرّف مع شيعته كما يتصرّف الخليفة مع أتباعه، أو كما يتصرّفون معه.

 

 وقد نلاحظ أنَّ الرواية الأولى قد تحدّثت عن موقع الثقة التي يُوليها الإمام الكاظم(عليه السلام) لأخيه محمد بن جعفر، حتى أنَّه كان يجعله وسيطاً لإقناع عليّ بن إسماعيل بن جعفر بالعدول عن موقفه، فنتساءل عن مدى دقّة الرواية الثانية في صحتها، ولكنها على أيِّ حال تعطي فكرة عن النظرة التي كانت تسود الذهنيّة التاريخيّة حول الموضوع.

 

2 ـ إذا صحّت هاتان الروايتان أو إحداهما، فقد نستوحي منهما الفكرة القائلة بأنَّ البيت العظيم الشريف لا يمنح صاحبه مناعةً من الانحراف، ولا يعطيه امتيازاً قدسيّاً في نفوس النّاس، إذ لاحظنا كيف تصرّف هذان الشخصان أو أحدهما ضدّ الإمام الكاظم(عليه السلام) بالرغم من كلِّ رعايته لهما.

موافقة الإمام المشروطة:

قبل علي بن يقطين وزارة هارون بعد موافقة الإمام (عليه السلام) وقد طلب فيما بعد الاستقالة عدة مرات إلا إن الإمام كان يردعه عن ذلك لان علياً كان يمثل مركز قوة في الخلافة، وكان الإمام الكاظم (عليه السلام) يرى فيه ضمانة كبيرة لدفع الظلم عن أولياء الله، وعن حماية أموالهم وأنفسهم، مما يجعل وجوده ضرورياً على مستوى حماية الحركة الإسلامية الامامية في إتباعها ومواقعها، ولذلك لم يرضَ الإمام له بالاستقالة، بل فرض عليه البقاء بالشروط الشرعية التي تتمثل في السير على هذا الخط، وقد قال الإمام (عليه السلام) له يوماً: (( اضمن لي خصلة أضمن لك ثلاثاً، فقال علي: وما هن؟ قال الإمام (عليه السلام): الثلاث اللواتي اضمنهن لك أن لا يصيبك حر الحديد أبداً بقتل ولا فاقه ولا سجن ولا حبس، وإما ما تضمنه هو أن لا يأتيك ولي أبداً إلا أكرمته))( 77)، فقبل علي ذلك وضمن الإمام الثلاث له.

فدلّت هذه المقولة على جواز الولاية من قبل الجائر أن أسدى معروفاً أو دفع غائلة عن المؤمنين فانه يباح له ذلك، وورد عن الإمام قوله: (( فان لنا بك أنساً ولإخوانك بك عزاً وعسى أن يجبر الله بك كسراً ، ويكسر بك  المخالفين عن أوليائه))( 78).

وكانت مواقف الإمام (عليه السلام) الصارمة التي التزمها وألزم بها أصحابه وندّد على المخالفين لمضمونها تهدف إلى إضعاف الروابط العملية بين السلطان والرعيّة، وبذلك يفقد السلطان مؤهّلات إقامة دولته وتركيز بناء حكمه، ليهيّئ الأرضية لإنهاء تماسك أجهزة الحكم وشلّ حركتها من الداخل، وهو أفضل سلاح يواجهه الحاكم الظالم، فحين تمتنع الطاقات عن عطائها للحكم وتكفّ الجماعة يدها عن العمل له وحماية مكاسبه فتتقلّص حينئذ قدرته ويتداعى بناء أجهزته الظالمة.فمقاطعة الحاكم التي اعتمدها الإمام (عليه السلام) ازاء الحكم، كانت ثورة عملية ضدّ النظام ذات أبعاد عميقة، وكان نجاحها يتوقّف على نسبة الدعم الذي تقوم به الأُمّة في مواقفها العملية ضدّ الحكم القائم وفق المخطّط المرسوم لها من قِبَل الإمام (عليه السّلام). غير أنّ افتقاد الأُمّة لمقوّمات الطاعة التامّة للإمام ، وركونها إلى الحكّام الظَلَمة لأجل مصالحها الذاتية، فوّت الفرصة عليها وأبطل فاعلية الخطّة التي كانت في مصلحتها، ممّا تسبّب في تقليص آثارها(79).

إذ أراد الإمام أنّ يقدّم للأُمّة الأطروحة العملية في مواجهة الظلم ومقاومة نفوذه بما يتّفق وظروف تلك المرحلة، وبما ينسجم مع مسؤولياته الرسالية في النصح للأُمّة وتسديدها عند اشتباه الحقّ والتباس معالم الهدى والصلاح، وكان على الأُمّة بعد هذا أن تختار لنفسها المصير الذي تشاء: فإمّا الاستجابة والعمل وبذلك تنتصر لرسالتها وحقّها في الحياة الكريمة، وإمّا الرضا والخنوع للواقع المعاش، وبذلك تكون قد فرضت على نفسها أن تعيش تحت ظلّ القمع والظلم والإرهاب بعيداً عن رسالتها.

وعلى كلٍ فأن علي بن يقطين وفى بعهده طوال مدة تصدره لهذا المنصب ،كان قد ادى دوراً كبيراً في تلك المدة العسيرة لتوفير الظروف المناسبة للحفاظ على حياة الشيعة واستقلالهم.

وزارة علي بن يقطين مظلة وقائية للشيعة:

كانت الانتفاضات المسلحة المتوالية التي قام بها العلويين والهاشميين إبان عهد المنصور وهارون تمنى بالفشل دائماً، وثبت فعلاً إن أي تحرك جاد ومسلح في تلك الظروف فان مصيره الفشل، فينبغي بدء النضال والجهاد على صعيد آخر، ولذلك غض النظر الإمام السابع عن القيام بتحركات شديدة وحادة لتربية الشخصيات وتنوير الأفكار، وكشف عن حقيقة الحكم العباسي الخبيث ونشر الثقافة الشيعية على نطاق أوسع في المجتمع.

وتنفيذاً لهذا المنهاج لم يكن الإمام خائفاً أن يتقلد رجال الشيعة الصالحون والمؤهلون المناصب الهامة والحساسة على الرغم من خطر التعاون مع تلك السلطة الجائرة، لان ذلك يجعلهم ينفذون في الجهاز الحاكم من ناحية ، و انضواء الناس والشيعة خاصة تحت مظلتهم الوقائية من ناحية أخرى.

كان نفوذ علي بن يقطين في جهاز هارون الحاكم جزءاً من هذا المخطط أيضاً بالإضافة إلا انه من الشيعة الواعين الثابتة أقدامهم ورؤيته رؤية شيعية صادقة، وعلى العكس من أبيه الذي كان من أنصار العباسيين ،واتضح ذلك من الحوارات التي دارت يوماً بينه وبين أبيه بشكل واعٍ، فقد قال يقطين لابنه يوماً: (( كيف تحقق ما تنبأ به أئمتكم حولنا – أي بني العباس – ولكن لم يتحقق ما قيل وتنبأ به عنكم – أي ظهور القائم- فأجاب علي: ما قيل عنكم وعنا من موضع واحد، ولكن سلطانكم في هذا الزمان، فقد أخبر عنكم بوضوح وقد تحقق ذلك ، ولإن دولتنا لم يحن موعدها بعد، لذلك نأمل ونتمنى أن تتحقق ، ولو كان أئمتنا يقولون إن دولة أهل البيت ستظهر بعد مائتين أو ثلاثة مائة عام لربما، وبسبب طول المدة ضاقت القلوب وقلَّ إيمان الناس بها ولأجل إن يبقى أمل الناس قال أئمتنا بدون توقيت لها ستظهر عاجلاً ليمنحوا الناس الأمل ويقربوا موعد ظهور الإمام))(80 ).

     وعلى ما يبدو من كلام علي وأبيه من مخرج واحد بأن كلا المقولتين صحيح، لكن الاختلاف في التوقيت فحسب، وهذا الجواب رصين أخذه علي بن يقطين عن موسى بن جعفر(عليه السلام)، فقد روي عن علي بن يقطين أنه قال: (( قلت لأبي الحسن (عليه السلام): ما بال ما روي فيكم من الملاحم ليس كما روي؟ وما روي في أعاديكم قد صح؟ فقال (عليه السلام): إن الذي خرج من أعدائنا كان من الحق فكان كما قيل، وانتم عللتم بالأماني فخرج إليكم كما خرج)) (81 ).

تقوية بنية الشيعة الاقتصادية:

   لا شك إن كل حركة و مجموعة لها هدف مشترك تحتاج لتنظيم قواتها إلى مصادر مالية تحقيقاً لتلك الأهداف إذ تصاب جميع فعالياتها ونشاطاتها بالشلل عند انقطاع الدعم المالي عنها، فكانت الشيعة ووفقاً لهذا المبدأ العام تحتاج دائماً إلى دعم مالي لاستمرارية وتحقيق أهدافها المقدمة غير إن رموزها المعارضة كانت - وفي مختلف مراحل التاريخ- تعاني من الضغط الاقتصادي وكثيراً ما كانت الحكومات ولأجل القضاء عليهم تمارس ذلك الضغط ومن خلال طرق عديدة.

وفي هذا المجال نجد -فضلاً عن سلب فدك*من فاطمة الزهراء(عليها السلام) الذي كان بدافع سياسي(82) ولأجل زعزعة موقف أمير المؤمنين وبني هاشم الاقتصادي -نماذج كثيرة في التاريخ ،منها :سياسة معاوية إزاء الشيعة لاسيما بني هاشم، ومن الأساليب التي تمسك بها معاوية لأخذ البيعة من الحسين بن علي(عليهما السلام) لولاية عهد ابنه هو امتناعه من دفع العطاء إلى بني هاشم من بيت المال خلال سفره إلى المدينة حتى يضغط عليه من خلال ذلك ويجبره على البيعة(83 ).

والنموذج الآخر هو الحظر الاقتصادي الذي فرضه  الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور ، فقد طبق سياسة التجويع وإفقار الرعية على نطاق واسع، وكان دافعه من وراء ذلك هو أن يجعل الناس جياعاً، وفي فاقه وحاجه إليه، وان يكون شغلهم الشاغل هو ملأ بطونهم حتى لا يبقى لديهم مجال للتفكير في القضايا الاجتماعية الكبرى.

وقد بين ذات يوم وبحضور خاصة من رجال البلاط وبلهجة مشينة دافعه من تجويع الناس وقال: ((صدق الأعرابي إذ يقول: أجع كلبك يتبعك ))( 84).

وكان نصيب الشيعة العلويون من سياسة الضيق والحظر الاقتصادي أكثر من غيرهم، لأنهم كانوا دائماً  على رأس المخالفين والمناضلين للخلفاء الظالمين.

فقد ذكر انه ((في عهد المهدي ورد أبو الحسن موسى (عليه السلام) على المهدي العباسي فرآه يردّ المظالم، فقال: يا أمير المؤمنين ما بال مظلمتنا لا تُردّ ؟ فقال له: وما ذاك يا أبا الحسن ؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالى لمّا فتح على نبيّه (صلّى الله عليه وآله) فدكَ وما والاها، لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فأنزل الله على نبيه)صلّى الله عليه وآله} (  وَآتِ ذا القُرْبى حَقَّه { (85) فلم يدرِ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مَن هم، فراجع في ذلك جبرائيل وراجع جبرائيل ربّه، فأوحى الله إليه: أن ادفع فدك إلى فاطمة (عليها السّلام)،فدعاها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال لها: يا فاطمة إنّ الله أمرني أن أدفع إليكِ فدك. فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك. فلم يزل وكلاؤها فيها حياةَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله).فلمّا وليَ أبو بكر أخرج عنها وكلاءها، فأتته فسألته أن يردّها عليها. فقال لها: ائتيني بأسود أو أحمر يشهد بذلك.فجاءت بأمير المؤمنين علي (عليه السلام) وأُمّ أيمن، فشهدا لها، فكتب لها بترك التعرّض، فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر بن الخطّاب، فقال: ما هذا معك يا بنت محمد ؟ قالت: كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة. قال: أرِينِيه. فأبت، فانتزعه من يدها ونظر فيه، ثمّ تفل فيه ومحاه وخرّقه.فقال لها: هذا لم يُوجِف عليه أبوكِ بخيلٍ ولا ركاب، فضعي الحبال في رقابنا.فقال المهدي العباسي: يا أبا الحسن حُدَّها لي. فقال: حدٌّ منها جبل أُحد، وحدّ منها عريش مصر، وحدّ منها سيف البحر، وحدّ منها دومة الجندل.فقال له: كلّ هذا ؟! قال: نعم، يا أمير المؤمنين، هذا كلّه، إنّ هذا كلّه ممّا لم يوجف أهله على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخيلٍ ولا ركاب. فقال: كثيرٌ، وأنظرُ فيه(( (86).

وعلى كلٍ لم تكن خلافة هارون مستثناة من هذه الخطة العامة أيضاً، إذ انه بعد أن استولى على بيت المال وصرفه على ملذاته ولهوه ورغباته هو ومن حوله، راح يمنع الشيعة من حقوقهم المشروعة ليضعفهم من خلال ذلك.

وكسب علي بن يقطين صاحب الإمام المخلص الوفي ثقة هارون على الرغم من سعاة أعداء الشيعة به لديه وتسلم وزارة العالم الإسلامي الكبير ،إذ كان يعرف خطورة هذا الأمر وأهميته فلم يأل جهداً في توظيف جميع الإمكانيات لأجل دعم الشيعة وحمايتهم خاصة دعمهم مالياً وإيصال خمس ماله الذي كان يشكل مبلغ ضخم ويبلغ المئة والثلاثمئة ألف درهم أحيانا إلى الإمام الكاظم ونحن نعلم إن الخمس دعامة مالية للحكومة الإسلامية ، وقد قال ابن علي بن يقطين ذات يوم: ((كان أبو الحسن إذا أراد شيئاً من الحوائج لنفسه أو مما يعني من أموره كتب إلى أبي اشتر لي كذا وكذا واتخذ لي كذا وكذا وليقول ذلك هشام بن الحكم -أحد كبار صحابة الإمام (عليه السلام) – ولم يذكر هشاماً إلا فيما يعني به من أموره)).

 ولما قدم موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى العراق قال علي بن يقطين: (( إما ترى حالي وما إنا فيه، فقال (عليه السلام): يا علي إن لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي)).

وقد سأل علي بن يقطين الإمام مرة أخرى وقال: (( ما تقول في أعمال هؤلاء؟ قال (عليه السلام): إن كنت لابد فاعلاً فاتق أموال الشيعة)) ، فأطاع علي الإمام وكان يجيبها من الشيعة علانيةً ويردها عليهم في السر، وسبب ذلك هو إن حكم هارون لم يكن حكماً إسلامياً يجب امتثال قوانينهما على المسلمين فقد كانت الولاية والخلافة الفعلية لموسى بن جعفر (عليه السلام) لذلك كان ابن يقطين يعيد الأموال إلى الشيعة(87).

 صحيح إن هارون كان يمتلك السلطة والقوة في الظاهر غير إن سلطته كانت على الأبدان فقط، ولم يكن له مكان في قلوب الناس، وأمّا سلطة القلوب والسيطرة عليها فقد كانت من نصيب الإمام الكاظم (ع) وفي ضوء شعبيته الواسعة ومكانته في الرأي العام كان المجاهدون والمتنوّرون من المسلمين يبعثون بخمس أموالهم والأموال الأُخرى التي تتعلّق ببيت المال إلى الإمام، ولم يكن ذلك خافياً على هارون، لأنّه ومن خلال تقارير جواسيسه كان يعرف بأنّ الأموال والحقوق الشرعية تصل الإمام من أقطار العالم الإسلامي الكبيرة لدرجة انّه شكل صندوقاً لبيت المال (88).

 أهداف تشكيل الحكومة الإسلامية

كان هارون يعلم بأنّ موسى بن جعفر (عليه السلام) وأتباعه يرونه غاصباً لخلافة الرسول(صلى الله عليه واله وسلم )، وحاكماً ظالماً مسك مصير المسلمين بيده قسراً وبالقوة، وأنهم لو تجهّزوا من الناحية العسكرية يوماً لما كانوا ينتظرون لحظة واحدة في القضاء على حكمه.

ولعل الحوار الذي دار بين الإمام الكاظم(ع) ،والخليفة هارون عن فدك يبين اهداف هارون ومن ثم كان كان سؤاله بدافع الاختبار لمعرفة اهداف الامام ،فقال له الامام :(( ما آخذها إلاّ بحدودها.......))(89).

أراد الامام بهذا الجواب أن يقول لهارون إن فدك رمز لمجموع حدود الحكومة الإسلامية، وانّ عمل أصحاب السقيفة بسلبهم فدك من بنت الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) وصهره هو في الواقع مظهر من مظاهر مصادرة حقّ سيادة أهل بيت العصمة والطهارة (سلام اللّه عليهم أجمعين)، وقد كان من المقرر أن ترد حقنا إلينا فعليك أن تضع جميع حدود الحكومة الإسلامية في قبضتنا. عبّـر هذا الحوار عن أهداف الإمام الكبيرة بشكل جيد.

وفاته(90):

 انتقل علي بن يقطين إلى رحمة الله تعالى سنة 182هـ في بغداد، وله من العمر ثمان وخمسون سنة، وصلى عليه ولي عهد الرشيد في الوقت الذي كان الإمام ما يزال في السجن.

قائمة الهوامش

الجهشياري، أبو عبد الله محمد بن عبد (ت331هـ)، الوزراء والكتاب، تحقيق: مصطفى السقا وآخرون،ط1، (القاهرة :مطبعة مصطفى الحلبي، 1938)،ص150. المصدر نفسه، ص ص150 – 151. ينظر:ابن خلكان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد (ت 681هـ)، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق، محمد محي الدين عبد الحميد،(القاهرة، 1948)، 1/163. ابن الطقطقي، محمد بن علي بن طباطبا (ت 709هـ)الفخري في الآداب السلطانية، ( بيروت، 1966 )، ص 156. الطبري، محمد بن جرير (ت 320هـ)، تاريخ الرسل والملوك، مراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء، (القاهرة،     1879 )، 6/301. ينظر: ابن الطقطقي، الفخري، ص166. ينظر الطبري، تاريخ الرسل، 6/301.

*يحيى البرمكي: هو أبو الفضل الوزير السري الجواد، سيد بني برمك و أفضلهم وهو مؤدب الرشيد ومعلمه ومدربه، اشتهر بجوده وحسن سيرته وسياسته، استمر إلى أن نكب الرشيد بالبرامكة فقبض عليه وسجنه في الرقة إلى أن مات فقال الرشيد: (( مات أعقل الناس وأكملهم)). ابن كثير ، أبو الفدا إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي (ت774هـ)، البداية والنهاية، ( القاهرة، بلا. ت)، 10/204.

**يحيى بن عبد الله العلوي: هو يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)، من كبار الطالبين في أيام موسى الهادي وهارون الرشيد العباسيين، رباه الإمام جعفر الصادق (ع) في المدينة فروى الحديث ونفقه وشارك ابن عمه ( الحسين بن علي) في ثورته بالمدينة واستيلاءه عليها ايام موسى الهادي  وحضر مقتله في معركة (فخ) ونجا فدعى إلى نفسه وبايعه الكثيرون مما اضطر الرشيد إلى طلبه وأعطاءه الأمان فترة ثم حبسه حتى مات من الجوع والعطش في حبسه سنة 180 هـ، الاصفهاني ،علي بن الحسين بن محمد بن احمد (ت356هـ)،مقلتل الطالبيين ،(ايران :مطبعة عترة ،1425هـ)،ص ص389-390.

الوزراء والكتاب، تحقيق: مصطفى السقا وآخرون،ص ص189 - 190. ابن خلدون عبد الرحمن بن محمد (ت808هـ)، العبر وديون المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، (بيروت، بلا.ت)، 3/222. الطبري، تاريخ الرسل، 6/485. النجاشي، أحمد بن علي بن العباس(ت 450هـ)،رجال النجاشي، (إيران:مطبعة مصطفوي، 1317هـ )، ص 209. الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن (ت 460هـ)، الفهرست،ط. النجف، 1937، ص90. ينظر المجلسي، محمد بن باقر(ت1111هـ)، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار: تحقيق دار أحياء التراث العربي، ( بيروت، 1395)، 48/136. الطوسي، الفهرست، ص90. المامقاني، عبد الله، تنقيح المقال، (النجف،بلا. ت)، 2/310. الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن (ت 460هـ)، رجال الطوسي، تحقيق وتعليق وتقديم: محمد صادق آل بحر العلوم ( طهران،1381 هـ)، ص354. الكشي، أبي عمر ومحمد بن عمر بن عبد العزيز(ت340هـ)، رجال الكشي، قدم له وعلق عليه ووضع فهارسه: احمد الحسيني،(بيروت :مؤسسة الاعلمي للمطبوعات)، بلا. ت)،ص365. النجاشي ،رجال النجاشي،ص209. الأسدي، أبو منصور الحسن بن يوسف(726هـ)،خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، تحقيق: جواد الفيومي،(إيران : مطبعة باقري،1422 )، ص147. الكشي، الرجال ، ص 209.النجاشي ،رجال النجاشي ،ص209. الكشي، رجال الكشي، ص365. الحلي، تقي الدين الحسن بن علي، كتاب الرجال، ( مطبعة طهران ، 1383هـ) ، ص253. الكشي، رجال الكشي، ص365. القهيائي، محمد بن قاسم بن الأمير الحسني ، مجمع الرجال، تصحيح وتعليق: ضياء الدين الأصفهاني( أصفهان، 1384هـ) ، 3/241. ينظر: النجاشي، رجال النجاشي ، ص209. الكشي، رجال الكشي، ص368. المصدر نفسه، ص368.

*هو عبد الله بن يحيى الكاهلي، أحد كبار الصحابة، حظي باهتمام خاص من قبل الإمام الكاظم (ع) حتى كان يوصي به علي بن يقطين كما قال له يوماً "اضمن لي الكاهلي وعياله أضمن لك الجنة". الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ص402.

ينظر:الأمين، محسن، أعيان الشيعة، تحقيق: حسن الأمين، ( بيروت، 1998)، 7/25. المصدر نفسه، 7/25. المصدر نفسه، 7/25. المصدر نفسه، 7/25. النجاشي، رجال النجاشي، ص209. الطوسي، أبي جعفر بن الحسن (ت460هـ)، اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي، تحقيق: حسن مصطفوي، (أصفهان، بلا.ت)، ص448. المامقاني ، تنقيح المقال، 2/317.

* عبد الرحمن بن الحجاج: أحد أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) كان ثقة، وقد قال له الإمام الصادق (ع)، (( يا عبد الرحمن كلم أهل لمدينة فاني أحب أن يرى في رجال الشيعة مثلك))، وقد كان يحظى باهتمام خاص من قبل الإمام الكاظم(ع) حتى أنه كان يوصي به علي بن يقطين، ، فكان علي (رحمه الله) يجري عليهم الطعام والدراهم وجميع النفقات حتى ماتا. النجاشي، رجال النجاشي، ص65.

الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ص435. القرشي، باقر شريف، حياة الإمام موسى الكاظم (ع) ،( النجف، 1960)، 2/223. الكشي، رجال الكشي، ، ص367. النجاشي، رجال النجاشي، ص209. الطوسي، الفهرست، ص90. الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ص ص 448 - 449. المامقاني، تنقيح المقال، 2/315. ينظر: الطباطبائي، محمد مهدي بحر العلوم (ت1212هـ)، رجال السيد بحر العلوم ، تحقيق وتعليق: محمد صادق بحر العلوم وحسين بحر العلوم، ط1، النجف، 1966، ص96. الخوئي، أبو القاسم الموسوي، معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، (بلا.ط، 1992)، ص249. الطباطبائي،رجال السيد بحر العلوم ،ص96.  لمزيد من التفاصيل ينظر: الخوئي، محمد جواد الحسني، المعين على معجم رجال الحديث، مراجعة محمد الفلسفي، ايران: مطبعة مؤسسة الأستانة الرضوية المقدسة، 1415هـ )،12/337. روى عن الائمة علي بن ابي طالب والحسن بن علي والحسين بن علي وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم (عليهم السلام )،وقد روى عنه بعض الشخصيات الشيعية مثل: ابن أبي عمير وابن محرز وإبراهيم بن أبي محمود وجعفر بن عيسى وجعفر بن عيسى بن عبيد وجعفر بن محمد وجميل والحريز والحسين ابنه وحماد بن عثمان وسعد بن أبي خلف وسعدان وصالح مولاه وعبد الرحمن بن أعين وعبد الرحمن بن الحجاج وعلي بن أبي حمزة ومحمد بن أبي حمزة ويعقوب بن يزيد. ينظر: المفيد، أبي عبد الله محمد بن محمد  بن النعمان(ت413هـ) ،الاختصاص، (بيروت،1982 )، ص286. الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسين (ت460هـ)، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ( قم، 1380هـ )، 1/ 16 – 17. ولمزيد من التفاصيل ينظر: النجفي، محمد درياب، مشيخة النجاشي توثيقهم و طرقهم إلى الأصول، (بغداد: مطبعة رمضان، 1413هـ )، ص201. الحائري، محمد بن علي الأردبلي، جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطبق والإسناد، ( قم، 1303هـ)، 1/ 609 – 610. تفسير العياشي، 2/17. سورة الأعراف/ آية(33). سورة البقرة/آية(219). فضل الله، محمد حسين، تفسير من وحي القرآن، (بيروت :دار الملاك، 2004 )،2/213 – 214. الأصفهاني ، حسن الموسوي،ثقاة الرواة، (ايران: شريعت. قم، 1382هـ) ، 3/78. الأسدي،خلاصة الاقوال،  ص147. الأعلمي الحائري، محمد حسين، دائرة المعارف الشيعية العامة،(بيروت :مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،  1993  )، 13/402. ولمزيد من التفاصيل ينظر: التفريشي: مصطفى عبد الحسين الحسني ، نقد الرجال، تحقيق: مؤسسة آل البيت، (ايران:مطبعة قم، 1418هـ )، 3/312. شرف الدين، عبد الله، مع موسوعات رجال الشيعة ،(بيروت :مطبعة الإرشاد للطباعة والنشر ، 1991)، ص227. ينظر:الكشي، رجال الكشي، ص ص366 - 367. المصدر نفسه، ص367. الأصفهاني، ثقاة الرواة،3/82. المصدر نفسه، 3/82. المصدر نفسه، 3/82. الكشي، رجال الكشي، ص371. المامقاني، تنقيح المقال، 2/315. ينظر:المجلسي، بحار الأنوار، 48/138. الأصفهاني، علي بن الحسين بن محمد بن أحمد (ت356هـ)، الأغاني، (القاهرة، 1974)، 5/225. ينظر:المجلسي، بحار الأنوار، 48/178. ابن شهر آشوب، أبي جعفر محمد بن علي السروري (ت588هـ)، مناقب آل أبي طالب، تحقيق وفهرست: يوسف البقاعي، (ايران:مطبعة قم، 1421هـ)، 2/19. النجاشي، رجال النجاشي، ص209. سورة هود/ آية (113).

* الحالق: أي تحليق الطائر وارتفاعه في الطيران. الرازي، ص الرازي، محمد بن أبي بكر(ت 666هـ)، مختار الصحاح،( الكويت، ،1983) ، ص150.

** سرادق: جمعها (سرادقات) وهي التي تمد فوق صحن الدار وكل بيت من كرسف أي قطن فهو (سرادق) يقال بيت (مسردق) . الرازي، مختار الصحاح، ص294.

الكليني، أصول الكافي، 1/96. المصدر نفسه، 1/ 96 – 97. سورة الحج/ آية (78). المجلسي، بحار الأنوار، 48/104. الصغير، محمد حسين علي، الأمام موسى بن جعفر (ع) ضحية الإرهاب السياسي، ط1، مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر(بيروت)، 2005، ص209. ينظر: النجاشي، رجال النجاشي، ص209. فوزي ، محمد، رجال حول أهل البيت(عليهم السلام)، (بيروت: دار الصفوة، ، 1993)، 2/166.

* الدراعة،مفردة (دراريع)، وهو درع من الحديد، وأدرع الرجل أي لبس الدرع. الرازي، مختار الصحاح، ص203.

ابن شهرآشوب، المناقب، 3/480. القمي، عباس (ت1359هـ)، منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل،( ايران:مطبعة قم، 1422هـ) ، 2/316. ابن شهرآشوب، المناقب، 3/408. الأصفهاني، ثقاة الرواة، ص83. الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي القمي(ت381هـ)، عيون أخبار الرضا(ع) ،( ايران:مطبعة قم، 1378هـ)، 1/69. المصدر نفسه، 1/70. المجلسي، بحار الأنوار، 48/137. القمي، منتهى الآمال، 2/316. ينظر:الصغير،الامام موسى بن جعفر،2/168.  ينظر: الطوسي، أبي جعفر بن الحسن (ت460هـ)، الغيبة، تصحيح وتعليق: علي أكبر غفاري وآخرون،( ايران:مطبعة طهران، 1381هـ) ، ص63. المصدر نفسه، ص63.

*فدك قرية في الحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة. وهي أرض يهودية كلن يسكنها طائفة من اليهود في مطلع تاريخها المأثور ولم يزالوا على ذلك حتى السابعة من الهجرة، حيث قذف الله الرعب في قلوب أهلها فصالحوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) على النصف من فدك وروي أنه صالحهم عليها كلها وقد أصبحت من الموارد العامة للدولة في عهد الخليفتين أبو بكر وعمر ثم أقطعها الخليفة عثمان بن عافان  لمروان بن الحكم وظل أمرها أيام بني أميه بين الانتزاع والرد حتى تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة. ينظر: الحموي، معجم البلدان، 4/231.  وللتفصيل في موضوع فدك ينظر: الحائري القزويني، محمد حسين الموسوي، فدك هدي الأمة إلى إن فدك نحلة، ( القاهرة، 1976)، ص ص184 – 196، الصدر، محمد باقر، فدك في التاريخ – التشريع والإسلام – بحث حلول المهدي، إعداد وتحقيق: لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للشهيد الصدر(قده)، (ايران: شريعت– قم، 2002)، ص35. الميانجي، علي الأحمدي، مواقف الشيعة، (ايران:مطبعة قم، 2003)، 2/405.

الطوسي ،الغيبة،ص 63-64. ينظر: أبن قتيبة، أبو محمد بن عبد الله بن مسلم (ت 276هـ)، الامامة و السياسة، ( القاهرة، 1934)، 1/191. ابن الأثير، عز الدين علي بن محمد الجزري (ت630)،الكامل في التاريخ ، (بيروت ،1976)،3/551. سورة الاسراء/آية (26). الكلني، أصول الكافي، 1/456. الطوسي، أختيار معرفة الرجال، ص434. أبن حجرالهيثمي، أحمد بن هيثم الكوفي ( من أعلام القرن الرابع الهجري)، الصواعق المحرقة في الرد على أهل النرندقة، إعداد: عبد الوهاب عبد اللطيف، ( القاهرة، 1385هـ)، ص 204. ابن الصباغ المالكي، علي بن محمد بن أحمد (ت855هـ)، الفصول المهمة في معرفة الأئمة، تحقيق: سامي الفريري، ( النجف، 1422هـ)، ص22. ابن الجوزي، المنتظم، 3/101. الكشي، رجال الكشي، ، ص369. النجاشي، رجال النجاشي، ص209. الاسدي ،خلاصة الاقوال ،ص153.

 

 

 

gate.attachment