المبعث النّبويّ الشّريف يوم ولادة الإسلام الكبرى

ان يوم 27 رجب  لسنة 13قبل الهجرة، يحمل ذكرى رسالة خالدة وولادة النور والرحمة الإلهية، ففي هذا اليوم المبارك بدأت البعثة النبوية الشريفة، فالمبعث النبوي الشريف هو مبعث النور ومولد الرسالة والقرآن الكريم، وانطلاقة الحضارة الإسلامية، ثم أن هذا اليوم هو يوم عيد ليس فقط للأمة الإسلامية ولكن للبشرية جمعاء فبعثة الرسول "صلى الله عليه وآله" عمت بركتها الكائنات.

وعليه أن نقف وقفة تأمل أمام فلسفة الذّكرى، لان الله اكد في كتابه الكريم عن كلمة التذكّر في أكثر من آية منها على سبيل المثال لا الحصر{ فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ}[1] كذلك في قوله:﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ[2]، فضلا عن ذلك ﴿إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ[3].  يبدو من ذلك، ان الله "عز وجل" يريد لنا أن تكون الذّكريات رفضاً لحالة الاستغراق في خصوصيَّاتنا، وفي أوضاعنا الجامدة، حتى تهزَّ أعماقنا في عمليّة وعيٍ، وعقولنا في عمليّة تفكير، وتاريخنا في عمليّة درسٍ وعبرة وتأمّل.

وفي ضوء ذلك، فالله" جل ثناؤه " بعث رسوله ورسالته في هذا اليوم، فعلينا أن نتذكَّر اولاً كيف عاش الإسلام طفولته في بداية الدعوة الاسلامية المباركة، وكيف احتضنه النبيّ الاعظم محمد "صلى الله عليه واله" والمسلمون الأوائل، ثانياً كيف احتضنوا الاسلام في طفولته الاولى عندما أراد المشركون أن يقتلوا هذا الطفل في نفوسهم، وكيف عاشت الرسالة في عقولهم وقلوبهم، ثالثاً كيف كانوا يبحثون له عن أرض يرتاح وينمو نمواً طبيعياً.

وكما ورد في السيرة النبوية كانت هجرة المسلمين الاوائل إلى المدينة المنورة، بدأ الإسلام نموّه الطبيعي، أي بدأ يقوى ويتحدّى ويحارب ويجادل ويركِّز قواعده في الأرض الجديدة، وبدأ يربط علاقته بكلِّ الناس، حتى إن هناك من آمن بالإسلام من أهل الكتاب. وكانت أوّل وثيقة من وثائق المعاهدات، هي المعاهدة التي أجراها النبي الاكرم محمد في المدينة بين المهاجرين والأنصار من جهة، وبين اليهود وسكّان المدينة من جهة اخرى[4].

وعليه يمكن اعتبار ذكرى مبعث النبي الاكرم محمد "صلى الله عليه واله" ذكرى نتأمَّل فيها كيف انطلق الإسلام ؟ ماذا عملنا للإسلام؟ ما هي ثقافتنا الإسلاميّة؟ كيف هي علاقتنا بالمسلمين؟ ما هو الواقع الإسلامي الذي تتحرّك فيه التحديات في شرق العالم وغربه؟ كيف هو موقف المستكبرين من الإسلام؟ لابدَّ لنا أن نعيش هذه المشاعر. لان الإسلام هو أمانة الله في أعناقنا، وهذا ما يؤكده الامام علي بن الحسين "عليه السلام "أحبّونا حبَّ الإسلام"[5] ؛ أي ان حبّكم لنا حبّاً يجب ان ينطلق في خطِّ الإسلام ، ولا يكن حبّكم لنا حبَّ الذات للذّات،  وان يكون ارتباطكم بنا ارتباطاً إسلامياً. وهذا ما اشار اليه أمير المؤمنين علي "عليه السلام" إنّ وليّ محمد من أطاع الله وإن بَعُدَت لحمته، وإن عدوَّ محمّدٍ من عصى الله وإن قربت قرابته" [6] اذن فان العلاقة هي علاقة إسلام، لأنَّ أهل البيت "عليهم السلام" لم يكن لديهم إلاّ الإسلام، هذا ما اكده الإمام محمد الباقر "عليه السلام" في قوله :" من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ. وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع"[7]

وعليه عندما نتذكّر النبي الاكرم محمد" صلى الله عليه واله"  في مبعثه ومعراجه، لا بدَّ من أن نحيل تلك الذّكريات إلى دورات تثقيفيّة نعيش فيها النبيّ الاعظم محمد في كلِّ فكره، وفي كلِّ رسالته، وفي كلّ نشاطه، وفي كلِّ جهاده، حتى نملك ولو بعض ملامح الصورة.

وفي نفس الوقت بُعث النبي الاكرم محمد" صلى الله عليه وآله" بالنبوة، وكان عمره الشريف أربعين سنة، حيث تلقی النبي الاكرم محمد اول کلمات الوحي الذي کان ينتظره ليحمل الی البشرية مشعل النور والهداية والرحمة. وكان أول من آمن بالنبي الاكرم من الرجال الامام علي بن ابي طالب "عليه السلام"، ومن النساء زوجته ام المؤمنين خديجة "عليها السلام" ثم أن الله سبحانه أمر النبي الاكرم محمد "صلى الله عليه وآله" أن يصدع بما جاءه منه، وأن ينادي الناس بأمره ويدعو إليه، فأنزل سبحانه:﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾[8] ثم قال تعالى ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾[9]

جعفر رمضان

 

[1] سورة الاعلى ، الآية 9

[2] سورة الدريات، الآية55

[3] المدثر, الآية54-55

[4] عدنان فرحان آل قاسم، دروس في السيرة النبوية" منهج تحليلي موضوعي لدراسة احداث السيرة النبوية واستلهام المعطيات والدروس والبعر منها"، (بيروت: دار السلام، 2011)،ص543-566.

[5]  محمد باقر المجلسي ، بحار الأنوار، الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (طهران: احياء الكتب الإسلامية (،ج ٤٦  ،ص ٧٣

[6] ابن أبي الحديد، شرح النهج، تحقيق: محمد ابو الفضل ابراهيم، (بيروت:1959) ، ج4، ص22.

[7] اقا حسين الطبطبائي البروجردي، جامع أحاديث الشيعة،(قم المقدسة: منشورات مدينة العلم،1407) ، ج14، ص92.

[8] سورة الحجر، الآية 94

[9] سورة الشعراء ، الآية 214-216.

gate.attachment