معنى المحكم والمتشابه عند المفسرين العلماء

قال تعالى : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]

اختلف علماء الإسلام في معنى المحكم والمتشابه اختلافات كثيرة ربما تبلغ الأقوال في ذلك إلى عشرين قولاً، والذي جرى عليه عملهم من العصر الإسلامي الأول حتى العصر الحاضر وعليه الاعتماد هو:

1- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود، فيجب الإيمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.

2- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه إلا الله تعالى فيجب الإيمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

هذا قول مشهور عند إخواننا علماء السنة وهو المشهور أيضاً عند الشيعة إلا أنهم يعتقدون بأن النبي والأئمة (عليهم السلام) يعلمون تأويل الآيات المتشابهة، وعامة المؤمنين حيث لا طريق لهم إلى معرفة تأويلها فيرجعون عليها إلى الله والرسول والأئمة (عليهم الصلاة والسلام).

وهذا القول بالرغم من أن عليه عمل أكثر المفسرين لا يوافق الآية الكريمة {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] إلخ، كما أنه لا يطابق ما تدل عليه سائر الآيات لأنه :

أولا: أننا لانعرف في القرآن آيات لا نجد طريقاً إلى معرفة مداليلها ومعانيها المقصودة. هذا بالإضافة إلى أن القرآن وصف نفسه بأوصاف كالنور والهادي والبيان، وهذه الأوصاف لا تتفق مع عدم معرفة المداليل والمعاني.

ومن جهة أخرى تقول الآية {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] ، فكيف يصح أن يكون التدبر في القرآن رافعاً لكل اختلاف مع أن فيه آيات متشابهة لا يمكن التوصل إلى معرفة معناها كما عليه قول المشهور الذي نقلناه.

ويمكن أن يقال: إن المقصود من الآيات المتشابهة هي الحروف المقطعة التي في أوائل بعض السور كـ«الم، الر، حم» وأشباهها،حيث لا يمكن معرفة معانيها الحقيقية.

ولكن لابد من الالتفات إلى أن في الآية الكريمة وضعت الآيات المتشابهة مقابلاً للآيات المحكمة، ولازم هذه التسمية أن المتشابه له مدلول من قبيل المدلول اللفظي إلا أنه يشتبه فيه مع المدلول الحقيقي، والحروف المقطعة في أوائل السور ليس لها هكذا مدلول.

وبالإضافة إلى هذا يدل ظاهر الآية على أن جماعة من أهل الزيغ ومبتغي الفتنة يسعون في الإضلال بواسطة الآيات المتشابهة، ولم يسمع أن شخصاً في المسلمين أضل الناس بالحروف المقطعة المذكورة، بل الذين يضلون الناس إنما يضلون بتأويل كلها لا بهذه الحروف خاصة.

وقال بعض: إن الآية تشير إلى قصة ملخصها: أن اليهود حاولوا معرفة المدة التي يعيش فيها الإسلام بواسطة الحروف المقطعة في أوائل السور، ولكن قرأ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الفواتح واحدة بعد واحدة وأبطل هذا ما زعموه (1).

وهذا الكلام غير صحيح أيضاً؛ لأن القصة لو صحت تدل على أن اليهود كانت لهم محاولة أجابهم النبي عليها في نفس المجلس، وهي ليست من الأهمية بحيث تستدعي ذكر الآية «المتشابه» والزجر عن اتباعه، هذا مع العلم أن قول اليهود لم يكن فيه فتنة، لأن الدين لو كان حقاً لا يضره تحديد الزمن ونعني به قبوله النسخ كما نراه في الأديان الحقة التي كانت قبل الإسلام.

ثانياً: لازم هذا القول أن تكون كلمة «التأويل» في الآية بمعنى المدلول خلاف الظاهر، ويختص هذا المعنى بالآية المتشابهة، وكلا الموضوعين ليسا بصحيح، فإننا سنذكر في البحث الذي وضعناه لمعرفة التأويل والتنزيل بأن «التأويل» في عرف القرآن ليس من قبيل المعنى والمدلول اللغوي، كما نذكر بأن جميع الآيات المحكمة والمتشابهة لها تأويل ولا يختص ذلك بالآيات المتشابهة.

ثالثاً: وصفت الآية الكريمة جملة «آيات محكمات» بـ«هن أم الكتاب»، ومعنى هذا أن الآية المحكمة تشتمل على أمهات ما في الكتاب من الموضوعات وبقية الآيات متفرعة عنها، ولازم هذا أن الآيات المتشابهة ترجع إلى الآيات المحكمة في مداليلها والمراد منها، ونعني بذلك إرجاع المتشابهات إلى المحكمات لمعرفة معناها الحقيقي، وعليه ليس في القرآن آية لا نتمكن من معرفة معناها، والآية إما محكمة بلا واسطة كالمحكمات نفسها، أو محكمة مع الواسطة كالمتشابهات، وأما الحروف المقطعة في فواتح السور فليس لها مدلول لفظي لغوي، فهي ليست من المحكم والمتشابه.

ويمكن معرفة ما قلنا من عموم قوله تعالى {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد: 24] وقوله { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

من كتاب : القرآن في الإسلام / ص33-37 / للمؤلف : محمد حسين الطباطبائي .

___________________________

(1) انظر : تفسير العياشي1/26، وتفسير القمي أول سورة البقرة ونور الثقلين1/22.

gate.attachment