الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 11/جمادي الاولى/1440هـ الموافق 18 /1 /2019م :

ايها الاخوة والاخوات نتعرض في هذه الخطبة الى الجزء الثاني مما تعرضنا اليه سابقاً (ظواهر مجتمعية تهدد المنظومة الاخلاقية والتعايش الاجتماعي) وذكرنا من جملة هذه الظواهر هو التسقيط الاجتماعي للشخصية الاعتبارية للاخرين، وبيّنا ان الشخصية الاعتبارية هي تلك المنزلة والمكانة للفرد في المجتمع التي يحتاج اليها بحسب حاجته الفطرية وضرورة الحياة ان يكون لكل انسان مكانة ومنزلة اجتماعية واحترام وتقدير لدى الاخرين..

من الامور التي تهدد كرامة الانسان واعتباره ومنزلته الاجتماعية هو ما يُتبع من أساليب التسقيط الاجتماعي للشخصية الاعتبارية لدى الآخرين ونلتفت الى انواع التسقيط التي تُنتهج ونراها بكثرة في وقتنا الحاضرة ولا يسع الوقت ان اذكر جميع الانواع وانما سأذكر البعض المهم منهُ والذي نحنُ مبتلين بهِ :

1.التسقيط الديني:

في الواقع هناك ثلاث اشكال من التسقيط الديني :

أولا ً: التشويه الفكري، ثانياً : التسقيط للكيان والفرقة التي تعتقد بهذا الفكر الديني، ثالثا ً: تسقيط الرموز الدينية.

 

اولا ً : التشويه الفكري:

احياناً فكر ديني معيّن له رموز وهذه الرموز واضحة في استقامتها الدينية وسيرتها وسلوكها وكمالاتها لا يمكن ان يتم التعرض في التسقيط الى هذه الرموز، ماذا يُلجأ؟! يُلجأ الى التشويه الفكري لهذه المنظومة الفكرية الدينية، كيف؟!

هذا الفكر الديني له حقائق معرفية وعقائدية يُلجأ احياناً الى اسلوب دقيق في التزوير لهذه الحقائق والكذب عليها، الشيء الآخر هو التفسير لهذه الحقائق الدينية بتفسيرات وتأويلات تناسب اهواء واهداف الجهة التي تريد تسقيط هذا الفكر الديني، الحقائق واضحة ولكنها تفسرها وتأوّلها بتفسيرات تؤدي الى اسقاط مقام ومنزلة هذا الفكر لدى الاخرين.

احياناً يُلجأ الى سلب مقامات وفضائل وصفات حسنة لهذا الكيان الذي يعتقد بهذا الفِكر ونسبة امور سيئة الى هذا الفِكر من اجل تسقيط منزلة هذا الفِكر لدى المجتمع وعزلهِ عنه.

ثانياً : احياناً يُنسب الى الكيان والفرقة التي تعتقد بهذا الفِكر يُنسب اليها افعال شنيعة وتصرفات سيئة من اجل تسقيطها وتسقيط فكرها بالنتيجة.

ثالثاً: وهو تسقيط الرموز والقادة لهذا الفِكر:

فحينما لا يتمكنون من الفِكر ولا من الكيان يلجأون الى هذه الرموز الدينية فينسبون اليها تصرفات وسلوكيات وافعال وعلاقات تشوّه صورتها امام الناس واحياناً تسلبها مقامات معنوية، لاحظوا اخواني احياناً قوة الرمز الديني فيما يتصف بهِ من كمالات معنوية تلاحظ تقوى وورع وزهد واخلاق عظيمة فتعطي قوة للرمز فينجذب الناس اليهِ ويحبونهُ ويعملون وفق منهجهِ.. كيف يُسقّط؟ يُنسب اليهِ افعال وتصرفات وسلوكيات وصفات تتنافى مع الكمالات المعنوية لأن السرّ احياناً في القوة للرمز شيئين الفكر الذي يتبناه والشيء الثاني هو قوة الكمالات المعنوية والصفات الحميدة التي يكون عليها.

احياناً تلاحظون مرجع عظمته وقوته وحب الناس له زهدهُ تقواه ورفعة صفاته غير قضية الفِكر.. يُلجأ الى هذا الاسلوب بأن يُنسب الى الرمز الديني مهما كان عنوانه صفات نفسانية منافية وتصرفات منافية للكمالات لأن هذا قوة الرمز في هذه الامور، هذه أساليب ثلاثة نلتفت اليها..

اخواني ومن جملة هذا التسقيط الديني ما يتعرض اليه العلماء الصالحين وافاضل اهل العلم والمؤمنين من حملة كذب وافتراء وتشويه لصورة هؤلاء الذين يعتبرون هم القادة والرموز المحترمة والتي على ضوئها يكون هناك الالتصاق والاقتداء بهذا الفكر، واحياناً يُلجأ الى فبركة قصص وهمية وافعال كاذبة لهذه الرموز من اجل تسقيطها اجتماعياً.. لا يستطيع ان يسقّط الفكر فيسقط الرموز ويسقط افاضل اهل العلم ويسقّط المؤمنين في سبيل عزلهم اجتماعياً حتى تفرغ الساحة للمضللين والمنحرفين اجتماعياً تفرغ لهم.

ونلتفت الى مزيد خطورة لهذا التسقيط حينما تتوفر للمجتمع هذه الوسائل وسائل التواصل ووسائل الاعلام التي وصلت الى كل انسان ولديه القدرة على الفبركة والكذب واقناع السذّج من الناس والبسطاء بهذه الافتراءات والاكاذيب والتشويه والتشهير هذا نوع وهو أخطر لأن الانسان في سعادته وفي كماله وفي انتظام الحياة هو ان يبقى هذه الرموز بقوتها لدى المجتمع،  حينما يكون هناك تسقيط ديني سينتج عنه تسقيط فكري للمجتمع فهنا الخطورة عزل الناس عن هؤلاء القادة فالنتيجة النهائية عزل الناس عن هذا الفكر.. لذلك لابد للانسان ان يلتفت حينما يُكتب وحينما يُنشر شيء عليه ان يتثبت وان يدقق لكي تبقى تلك العلقة وتلك القداسة وتلك الجلالة والمهابة..

عالم الدين الصالح وافاضل اهل العلم جلالتهم ومنزلتهم ومكانتهم هذا أمر مهم في تقوية الصِلة بين عموم الناس وبين فِكرهم، تسقيطهم دينياً يعني فقدهم لهذه الجلالة والمهابة والمنزلة والمقام الاجتماعي وبالتالي العزل الديني ونتائجه واضحة وهو أخطر انواع التسقيط.

 

2. التسقيط الاجتماعي:

نلتفت اليه اخواني، لا نعلم الواحد مِنّا يوم القيامة ماذا سيُكشف في صفحة كتابهِ من انواع هذا التسقيط ونلتفت ما هي الانواع في هذا التسقيط والذي نراه كثيراً في صفحات التواصل الاجتماعي وفي احاديثنا احياناً من جملتها ان الانسان يتتبع زلاّت وعثرات وسقطات هذا الانسان سقطات وزلات اجتماعية واخلاقية يقوم بنشرها على نطاق واسع ويُشهّر بهِ فيؤدي الى تسقيط مكانته الاجتماعية لدى الاخرين، وسأبيّن في نهاية الخطبة ما هي النتائج الكارثية لهذا التسقيط والذي قبله وجميع انواع التسقيط..

ولاحظوا اخواني في هذا الحديث التفتوا اليه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لا تطلبوا عثرات المؤمنين، فإنَ من تتبع عثرة اخيه تتبع الله عثرته، ومن تتبع الله عثرتهُ فضحهُ ولو في جوف بيته)، تعرفون اخواني معنى هذه العبارة، انا ابحث واتصيّد زلاّت هذا الانسان المؤمن والانسان لديهِ زلاّت وعثرات وذنوب ابدأ بنشرها والتشهير بهِ والتسقيط الاجتماعي.. هل تعلمون النتيجة وفق الحديث؟ الله تعالى وليس البشر او بقية المجتمع سيتتبع عثراتك وزلاتك بل الله تعالى هو يتتبع زلاتك وعثراتك ليس الزلات والعثرات الظاهرة فقط بل هناك زلات وعثرات وسقطات داخل البيت.. فالحديث للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: الله تعالى سيتتبع عثراتك في جوف بيتك وسيفضحك بأن تُنشر هذه العيوب والزلات والسقطات الاخلاقية وغيرها التي هي داخل البيت وكُنت انت امنٌ من ان تُنشر الى الناس لذلك انتبه من هذه النتيجة..

الشيء الآخر احياناً من جملة التسقيط الاجتماعي تجد انسان واضح ومعروف اخلاقه وسيرته لا استطيع ان اسقطّهُ فليس عنده شيء.. اكذب عليه وافتري عليه وانسب لهُ فعلا ً والمشكلة الآن هذه الوسائل الاعلامية والقدرات الاعلامية وقدرات وسائل التواصل الاجتماعي فيها قدرة عجيبة على اقناع الاخرين ولو كان هذا ينسب شيئاً كذباً وافتراءً.. تجد انسان مؤمن صاحب اخلاق سيرته حسنة اكذب عليه واتفنن في وسيلة الكذب بحيث تنطلي على اغلب الناس إلا من رحمهُ الله وجعلهُ يتثبت ويدقق فيما يُنسب الى الاخرين..

هناك اسلوب آخر تجد شخص ليس لديه زلاّت كبيرة وانما لديه زلاّت بسيطة ماذا أفعل؟ اكبّرها واضخمّها واصوّرها من شنائع الافعال وقبائح الصفات ولا اعطيها صورتها الحقيقية اضخمّها بحيث تعد شنيعة وغير مقبولة مذمومة اجتماعياً ودينياً اسقّط هذا الانسان..

التسقيط الآخر وهو الذي يشتكي منهُ الكثير من ابناء المجتمع من هذه القضية وهي كشف الاسرار هناك اسرار اجتماعية واسرار مالية وهناك الكثير من انواع الاسرار، التفتوا اخواني حافظوا على اسراركم حافظوا على خصوصياتكم فالبعض يبحث ويأتي الى هذه الخصوصية والسرّ ينشرهُ بكثرة ويشهّر بهِ، كثير من الخصوصيات الداخلية للانسان خصوصاً ما يتعلق بالنساء، التفتوا اخواني ما اخطر هذه الوسائل الآن المتبّعة كثيراً ما تهدد السلم الاجتماعي كثيراً ما تهدد استقرار العوائل وسمعة العوائل وسمعة النساء والرجال وقد تؤدي الى القتل لذلك لابد ان نلتفت ان الانسان لابد ان يكون حريص على ان يصون ويحفظ هذه الاسرار في صندوق مغلق وفي نفس الوقت لا يسمح للاخرين ان يتصيدون زلاته وعثراته ولا يعطي ذريعة للاخرين ان يتصيدوا هذه الزلات والعثرات وينشرونها بين الاخرين..

ايضاً اخواني فلنلتفت الى بعض النتائج حيث اننا غافلين والمشكلة في غفلة اغلبنا عن النتائج والتداعيات الخطيرة في الدنيا والاخرة لبعض افعالنا وتصرفاتنا نتصورها هيّنة وسهلة عند الله تعالى وعند الائمة عليهم السلام وعند الناس لكنها عظيمة عند الله تعالى..

التفتوا الى هذا الحديث عن الامام الرضا (عليه السلام) يوصي به السيد عبد العظيم الحسني، يقول الامام (عليه السلام) : (يا عبد العظيم أبلغ عني أوليائي السلام وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلاً, ومرهم بالصدق في الحديث وأداء الأمانة, ومرهم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم وإقبال بعضهم على بعض والمزاورة فإن ذلك قربة إليَّ)

ثم التفتوا اخواني الى قول الامام الرضا (عليه السلام) : (ولا يشغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضاً, فإني آليت على نفسي أنه من فعل ذلك وأسخط ولياً من أوليائي دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب وكان في الآخرة من الخاسرين).

لاحظوا الامام (عليه السلام) يقول: (فإني آليت على نفسي أنه من فعل ذلك وأسخط ولياً من أوليائي دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب وكان في الآخرة من الخاسرين).

وهذا يعني اخواني انه الواحد مِنا عندما يستعمل هذه الوسائل لتسقيط هذا الانسان عند الف شخص او مليون شخص او اكثر.. في بعض المرات هذا المؤمن يدعو عليَّ، لاحظوا الامام (عليه السلام) يقول آليت على نفسي انا ادعو عليه لماذا اخواني؟! الامام (عليه السلام) يقول: هؤلاء شيعتي هؤلاء مؤمنون بي هؤلاء اوليائي هؤلاء يعتقدون بي.. انتَ الان تسقطّهم! النتيجة هذا الشخص قد يدعو عليك وانا الامام المعصوم سأدعو عليك ان يعذبك الله في الدنيا اشد العذاب وفي الاخرة من الخاسرين..

نسأل الله تعالى ان يجنبنا هذه الزلاّت والعثرات وان يجعلنا من السائرين على نهج اهل البيت والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

حيدر عدنان

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

gate.attachment