الخطبة الدينية للسيد أحمد الصافي من الصحن الحسيني الشريف بتاريخ20 صفر 1439 هـ الموافق 10 /11 /2017 م

هذا الحضور المبارك لزائري سيد الشهداء لم يكن يحصل لولا وجود سواعد مؤمنة حافظت عليه بدمائها

النص الكامل للخطبة الاولى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله بيته الطيبين الطاهرين، الحمد لله حمداً لا يحصى ولا يدرى ولا ينسى و لا يبلى ولا يفنى وليس له منتهى، والحمد لله حمداً يدوم بدوامه ويبقى ببقائه في سني العالمين وشهور الدهور وايام الدنيا وساعات الليل والنهار.

اخوتي ابنائي آبائي تقبل الله اعمالكم وحشركم بعد طول عمر مع محمد وآله الطيبين الطاهرين واركبكم سفينة نجاته سفينة الامام الحسين(عليه السلام)، اخواتي بناتي امهاتي تقبل الله اعمالكن ورزقكن حسن العاقبة وحشركن مع الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) السلام عليكم احبتي جميعاً ورحمه الله وبركاته.

اوصيكم احبتي جميعاً ونفسي الجانية بتقوى الله تبارك وتعالى والسعي لمرضاته والوثوق بوعده والخوف من وعيده، عظم الله لكم الاجر بأربعينية الامام الحسين (عليه السلام) سائلين الله تبارك وتعالى قبول الاعمال، وان يتقبل منكم هذه الزيارة والمواساة للنبي(صلى الله عليه واله) وللإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وتقبل الله منكم.

ايها الاحبة وهذا الحضور المليوني الكبير لسيد الشهداء(عليه السلام) ولعل كلمات الثناء والتعظيم للزائرين مهما عبرنا عن ذلك ستكون قاصرة، ولكن يحضر الامام الصادق (عليه السلام) ويبيِّن ما للزائرين الكرام من فضلٍ ومن قيمة حقيقة بحيث يتوجه الامام الصادق(عليه السلام) بالدعاء لهم، ولعلَّ هذا الكلام افضل ما يمكن ان يعبَّر بصدق عن هذه المنزلة الرفيعة التي بينها سلام الله عليه فقال: (يَا مَنْ خَصَّنَا بِالْكَرَامَةِ، وَوَعَدَنَا الشَّفَاعَةَ، وَحَمَّلَنَا الرِّسَالَةَ، وَجَعَلَنَا وَرَثَةَ الأَنْبِيَاءِ، وَخَتَمَ بِنَا الأُمَمَ السَّالِفَةَ، وَخَصَّنَا بِالْوَصِيَّةِ، وَأَعْطَانَا عِلْمَ مَا مَضَى وَعِلْمَ مَا بَقِيَ، وَجَعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْنَا، اغْفِرْ لِي وَلإِخْوَانِي وَزُوَّارِ قَبْرِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام، الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ، وَأَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا، وَرَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا، وَسُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله، وَإِجَابَةً مِنْهُمْ لأَمْرِنَا، وَغَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا، أَرَادُوا بِذَلِكَ رِضْوَانَكَ، فَكَافِهِمْ عَنَّا بِالرِّضْوَان، وَاكْلأهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَاخْلُفْ عَلَى أَهَالِيهِمْ وَأَوْلادِهِمُ الَّذِينَ خُلِّفُوا بِأَحْسَنِ الْخَلَفِ، وَاصْحَبْهُمْ وَاكْفِهِمْ شَرَّ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَكُلِّ ضَعِيفٍ مِنْ خَلْقِكَ وَشَدِيدٍ، وَشَرَّ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَأَعْطِهِمْ أَفْضَلَ مَا أَمَّلُوا مِنْكَ فِي غُرْبَتِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ، وَمَا آثَرُوا عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَأَهَالِيهِمْ وَقَرَابَاتِهِمْ. اللَّهُمَّ إِنَّ أَعْدَاءَنَا أَعَابُوا عَلَيْهِمْ خُرُوجَهُمْ، فَلَمْ يَنْهَهُمْ ذَلِكَ عَنِ النُّهُوضِ وَالشُّخُوصِ إِلَيْنَا خِلَافاً عَلَيْهِمْ، فَارْحَمْ تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتِي غَيَّرَتْهَا الشَّمْسُ، وَارْحَمْ تِلْكَ الْخُدُودَ الَّتِي تَقَلَّبَتْ عَلَى قَبْرِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ عليه السلام، وَارْحَمْ تِلْكَ الْعُيُونَ الَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا، وَارْحَمْ تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتِي جَزِعَتْ وَاحْتَرَقَتْ لَنَا، وَارْحَمْ تِلْكَ الصَّرْخَةَ الَّتِي كَانَتْ لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ تِلْكَ الأَنْفُسَ وَتِلْكَ الأَبْدَانَ، حَتَّى تُرَوِّيَهُمْ مِنَ الْحَوْضِ يَوْمَ الْعَطَشِ).

ما زال الامام (عليه السلام) يدعو بهذا الدعاء وهو ساجد واقرب ما يكون العبد الى ربه وهو ساجد، فكيف بالإمام الصادق وهو ساجد ويدعو لزوار جده الحسين (عليه السلام) هذا الكم الهائل من الزائرين، ان هؤلاء باعوا الدنيا وملذاتها وفي كثير من الاحيان هم يعلمون ان هذا الطريق هو طريق ذات الشوكة، ومن الممكن ان يستهدفوا من قبل الاعداء، لكنهم غير آبهين لذلك وترى أعدادهم في تزايد مستمر نحو مرقد الامام الحسين (عليه السلام).

سأقرأ نصا تاريخيا يعود الى ما قبل شهادة الامام الحسين(عليه السلام) لنرى سوية الفرق بين الذين يتمتعون بالبصيرة وحول الذين قد غرَّتهم الحياة الدنيا واعمتهم، قال الطبري في تاريخه (وفد الأحنف بن قيس وجارية بن قدامة من بني ربيعة بن كعب بن سعد والجون بن قتادة العبشمي والحتات بن يزيد أبو منازل إلى معاوية بن أبي سفيان، فأعطى كل رجل منهم مائة ألف وأعطى الحتات سبعين ألفا، فلما كانوا في الطريق سأل بعضهم بعضا فأخبروه بجوائزهم فكان الحتات أخذ سبعين ألفا فرجع إلى معاوية فقال: ما ردك يا أبا منازل؟ قال فضحتني في بني تميم أما حسبي بصحيح أولست ذا سن أولست مطاعا في عشيرتي؟ فقال معاوية: بلى قال: فما بالك خسست بي دون القوم؟ فقال إني اشتريت من القوم دينهم ووكلتك إلى دينك، فقال وأنا فاشتر مني ديني).

هؤلاء باعوا دينهم فعجَّلوا وسهلوا استشهاد الامام الحسين(عليه السلام) والذين جاؤوا وزحفوا والذين سعوا واتبعوا نداء الامام الحسين على مر التاريخ حين قال: (من لحق بنا استشهد ومن تخلف لم يدرك الفتح) وهذا الفتح الذي ارانا الله بعضه في هؤلاء الذين زحفوا و زاروا، فقد دخلوا في عمق السفينة الواسعة سفينة سيد الشهداء.

إن لزيارة الاربعين مداليل واسعة جداً، ولعل من جملة هذه المداليل هو الاستئناس بمبادئ سيد الشهداء والاغتراف من معينه الذي لا ينضب، ففي كل سنة وفي كل عام نستفيد استفادة مختلفة عن العام الماضي ببركة سيد الشهداء.

الاخوة الزائرون الذين اعطوا شيئا كثيراً واثبتوا من خلال هذه الرحلة الموفقة في عشرات الأميال صدق الولاية وصدق هذا الوفاء للإمام الحسين (عليه السلام)، ان هذا الحضور المبارك لم يكن يحصل لولا وجود سواعد مؤمنة حافظت على هذا الوجود المبارك بدمائها، فكلنا مدانون لتلك الدماء الزكية التي اريقت وما زالت تراق من اجل الحفاظ والدفاع عن هذا البلد، أشركوهم في ثواب اعمالكم، فهم يتمنون ان يكون معكم لكن وظيفتهم هناك اهم والمرابطة اهم والحضور هناك اهم، وتلك الدماء التي نزفت هي من جعلت هؤلاء الاخوة بهذه الحشود المليونية يأتون ويزحفون الى كربلاء حتى تدخل تحت دعاء الامام الصادق (عليه السلام).

سلم الله الزائرين جميعاً ومنَّ عليهم بطول العمر وان شاء الله كما هم لم ينسوا الحسين هنا لن ينساهم الحسين يوم القيامة، كما انهم واسوا الزهراء (عليها السلام) فهي تعرف كيف تلتقي بمحباتها في ذلك اليوم الذي تشحص به الابصار الى رحمة الله تعالى وهي واسعة تسعنا ان شاء الله تعالى، اخذ الله بأيدينا جميعاً بما يحب ويرضى ومنَّ على الجميع بالأمن والامان، واخر دعوانا الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)) صدق الله العلي العظيم.

 

gate.attachment