الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 15/محرم الحرام/1439هـ الموافق 6 /10 /2017م:

في البداية نباركُ للشعب العراقي الكريم وللرجال الابطال في القوات المسلحة والقوى المسانِدة لهم الانتصارات الاخيرة في تحرير مدينة الحويجة والقرى المحيطة بها من الارهابيين الدواعش آملين أن يَتمَّ تحرير ما بقي تحت سيطرتهم في وقت قريب بعون الله تعالى، وإذ نشيدُ بإكبار واجلال بتضحياتِ أعزائِنا المقاتلين بمختلف صنوفهم وعناوينهم نترحم على شهدائهم الابرار ونسأل المولى العلي القدير أن يحشرهم مع شهداء الاسلام في الصدر الاول ويَمنُّ على جرحُاهم بالشفاءِ العاجل انه سميع مجيب.

أيها الاخوة والأخوات:

ها هي أيام عاشوراء قد انقضت وقد أجهدتم أنفسكم جزاكم الله تعالى خيراً في إقامة مجالس العزاء على سيد الشهداء (عليه السلام) والمشاركة في مختلف الشعائر التي اقيمت بهذه المناسبة الحزينة وذلك توفيق من الله تعالى لكم..

وهنا لابد ان نذكر بأنه لا نجعل انتهائنا من اقامة هذه المراسم كيوم دخولنا فيها، لابد ان تفعل هذه الشعائر والمجالس فعلها في انفسنا وسلوكنا ومواقفنا.

لا نجعل انتهائنا من اقامة هذه المراسم والمجالس كيوم دخولنا فيها، لابد ان يكون هذا الموسم موسم التحوّل والتغيير لابد ان نحوّل هذه المجالس والمواكب الى مدرسة نتعلم منها الشيء الكثير ونجسدها في حياتنا..

ولعل الكثير من هذه المجالس تعرّضت لسيرة أصحابه الذين ورد فيهم ما لم يرد في غيرهم من الأصحاب.. ولابد لنا ان نتوقف بتأمل وتدبر في مقومات شخصية هؤلاء الأصحاب لنترجم سيرتهم الى ممارسة عملية في حياتنا بكل جوانبها حتى لا يكون يوم انتهائنا من اداء هذه المراسم كيوم دخولنا فيها..

ولأجل ذلك نقول: حينما نتتبع ونتفحّص عن السمات والاوصاف التي وُصِف بها اصحاب الامام الحسين (عليه السلام) من قبل المعصومين نجد التفرّد بالاتصاف بمجموعة من الاوصاف التي لم نجدها في غيرهم من قبيل قول الامام الحسين (عليه السلام): (فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي).

وعن الامام الصادق (عليه السلام) في زيارتهم: (أنتم سادة الشهداء في الدنيا والآخرة).

وجاء في زيارة الناحية المقدسة ان إمام العصر والزمان قد سلّم عليهم كما يلي: (السلام عليكم يا خير أنصار الله).

ولا شك ان هؤلاء الاصحاب للإمام الحسين (عليه السلام) لم يبلغوا هذه المنزلة اعتباطاً وانما كانت هناك مقدّمات لها من مقومات عقائدية وسلوكية وروحية ونفسية جعلتهم يتأهلون لبلوغ هذه المرتبة التي لم يوفق للوصول اليها الكثير ممن كانوا في عصر الامام الحسين (عليه السلام) بل ومن كانوا في ركبه في بداية الأمر..

نحن نحتاج ان نحوّل سيرة هؤلاء الاصحاب الى مدرسة تربوية نتعلم منها ونعمل بمضمونها لسببين:

اولاً: نأمل ونتمنى ان نصل ولو الى مرتبة دنيا من مرتبتهم العظيمة.

ثانياً: في كل زمان ومكان هناك ابتلاء واختبار يشبه الى حد ما الاختبار والابتلاء الذي مر به اصحاب الامام الحسين (عليه السلام)، نحن اما ننجح او نفشل في هذا الاختبار، اذا اردنا ان ننجح في هذا الاختبار علينا ان نتعلم من سيرة الاصحاب وكيف انهم وصلوا الى هذا المقام، علينا ان نذكر من خلال المواصفات والمقومات التي كان عليها اصحاب الامام الحسين (عليه السلام)..

في كل زمان هناك اولياء لله يمثلون امتداد للامام الحسين (عليه السلام)، وهناك مجموعة اخرى يتزيون بزي اهل الحق ولكنهم في الواقع ليسوا من اهل الحق، بعض الناس يلتبس عليهم الأمر فيتصور ان هؤلاء هم اهل الحق وهم في الواقع ليسوا من اهل الحق احياناً البعض يقف مع هذا الذي يدعي انه من اهل الحق، وربما بلسانه يقول انني مع الامام الحسين (عليه السلام) ويبكي على الامام الحسين (عليه السلام).. يدعي امام الاخرين انه من اهل الحق ومن اهل الاسلام ولكن هو في واقع الحال ليس كذلك.. ولديه قوة اعلامية وسلطة يستطيع من خلالها ان يضلل بعض الناس فالبعض ينخدع به ويقف معه وينصره ويدافع عنه..

لذلك علينا ان ننتبه وان نتعرف على هذه المكامن في شخصية اصحاب الامام الحسين (عليه السلام) وكيف انهم وصلوا الى هذه المرتبة..

التفتوا الى الاجواء التي كانت في وقت يزيد بن معاوية كان هناك ضخ اعلامي كبير وضغوط وترهيب فالناس الذين كانوا في ذلك الوقت وسط اجواء تأخذ بالانسان الى ان يقف مع اصحاب يزيد او يقف على الحياد لأسباب عديدة.. نحن قد نمرّ بمثل تلك الظروف والاختبار ليس سهلا ً فالله تعالى يضع عباده في اختبار حتى يعرف العبد الصادق من الانسان الذي يدعي الايمان.

لنتعرف على مقومات الشخصية المهمة لأنصار الامام الحسين (عليه السلام) والغرض نحن نسعى ان نتصّف بهذه المقومات حتى نصل ولو الى مرتبة دنيا من مراتب اصحاب الامام الحسين (عليه السلام):

اولا ً: الوعي والبصيرة بحقائق الدين وقياداته الحقة:

ان يكون هناك فهم ووعي لحقائق الدين عن دليل وبرهان، والوعي بالقيادات الحقّة فأحياناً تجد عدة اشخاص كل منهم يدعي انه القائد الحق وانه هو الذي يمثل الاسلام الحق.. هذا الأمر يحتاج الى انسان لديه وعي وادراك حتى يستطيع ان يميز ويفرز ان هذا هو القائد الحق وذلك ليس كذلك..

احياناً كثيرة الضخ الاعلامي الكبير واثارة الشبهات والتشكيكات في القضايا الدينية والقيادات الحقّة والصالحة.. فلاحظوا اخواني في زمن يزيد كيف كان الضخ الاعلامي الذي صوّر للكثير من المسلمين على ان الامام الحسين (عليه السلام) خارجي (وحاشاه (عليه السلام) عن ذلك) رغم انه لم يكن يفصل بين هذا الوقت وزمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غير خمسين سنة.. فالزمن قريب ومع ذلك هذا الضخ الاعلامي اثّر في الكثير من الموجودين في ذلك الوقت بحيث اعتقدوا ان الامام الحسين (عليه السلام) على هذه الصفة ووقفوا ضد الامام (عليه السلام)..

لذلك نحن نحتاج من الانسان المؤمن ان يكون واعي في حقائق الدين حينما تُثار الكثير من التشكيكات والشبهات فالانسان المؤمن القوي يستطيع ان يبين زيف هذه التشكيكات والشبهات.. فأصحاب الامام الحسين (عليه السلام) كانوا كذلك لديهم هذا الوعي حتى استطاعوا ان يرسخوا هذه الامور لأنفسهم..

ويشير بعض قادة جيش بني امية في معركة الطف الى ذلك بقول عمر بن الحجاج حينما خاطب اصحابه قائلا ً بعد ان رأى كثرة من قتل منهم:

(أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر، واهل البصائر وقوماً مستميتين).

فأصحاب الامام الحسين (عليه السلام) لديهم الشجاعة والبصيرة التي اوصلتهم الى هذه المرتبة والإستماته في سبيل الامام الحسين (عليه السلام).

ثانياً: الجرأة في اتخاذ الموقف الحق والثبات عليه:

احياناً الانسان قد يكون عنده وضوح في القضية وتكون واضحة امامه هذه القضية هي الحق وهذه القضية هي الباطل.. لكن ليس عنده جرأة ان يتخذ موقف الحق في الدفاع ونصرة الدين ويثبت على هذا الموقف..

احياناً الانسان يعيش ضغوط داخلية وخارجية احياناً في داخل نفسه نصرة الامام تتطلب ان الانسان يضحي بنفسه ويتعرض للجراح.. والشيطان يلقي اليه ويسوّل له الكثير من الامور التي تثنيه عن نصرة الحق ثم الجو الاجتماعي العام ابتداءً من افراد الاسرة من الابوين والزوجة والاولاد ثم رؤى الاصدقاء ومواقفهم وبعدها العشيرة ثم ضغوط السلطة الحاكمة وهكذا..

وما نجده عند اصحاب الامام الحسين (عليه السلام).. فعلى الرغم من ان الاجواء الخارجية كانت ضاغطة جداً حيث نجد ان مَن كان مع الامام الحسين (عليه السلام) في اول مسيره الآلاف ممن وضح لديهم ان الامام (عليه السلام) على الحق ولكنهم تراجعوا وأخذوا يتسللون في الطريق حتى لم يبق مع الامام إلا الخلّص من اصحابه وهم بالعشرات.

وآخر ما تعرضوا له من اختبار صعب تخيير الامام (عليه السلام) لهم بالرحيل بعد ان أخبرهم بمصيرهم بتعرضهم للقتل بأجمعهم.. منذ بداية المسير كانوا في صراع فكري ونفسي واجتماعي وعوامل ضغط متعددة وهناك تبرز النفوس الايمانية القوية..

ثالثاً: شدة الحب لله تعالى والاستئناس بلقائه:

في اكثر الاحيان حب الدنيا وحب المال والاهل والاولاد والتعلق بالدنيا يمنعنا عن ان نتخذ الموقف المطلوب لنصرة الحق، لابد ان يكون هناك حب خالص لله تعالى، وقد كشف عن هذا الاستئناس وحب لقاء الله تعالى ما ورد عن الامام الحسين (عليه السلام) حينما استعلمت زينب (عليه السلام) اخيها الحسين (عليه السلام) عن مدى استعداد اصحابه لنصرته فقالت (عليها السلام): (اخي هل استعلمت من اصحابك نياتهم فإني اخشى ان يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنة)، فبكى (عليه السلام) وقال: (أما والله لقد لهزتهم وبلوتهم، وليس فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بلبن أمه).

فحال هؤلاء مع الامام (عليه السلام) وشدة حبهم له بل عشقهم له كالطفل الرضيع الذي كلما تدفعه امه عنها كي لا ترضعه فهو لا يرضى ولا يريد ان يأخذ شيئاً آخر غير ثدي امه..

والحمد لله الذي وفقنا ان نرى في هذا الزمان رجالا ً فيهم شبه بأصحاب ابي عبدالله الحسين (عليه السلام) في الصفات المتقدمة وهم الابطال الذين سارعوا الى ساحات الوغى وجعلوا ارواحهم على اكفهم وبذلوا مهجهم استجابة لنداء المرجعية الدينية العليا في الدفاع عن العرض والارض والمقدسات امام هجمة الارهاب الداعشي فجزاهم الله خير جزاء المحسنين.

 

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

gate.attachment